١١ : أن أمير المؤمنين غير مستعين في عمله ، مؤتمن فيما قلده الله في أمور رعيته ، من لا يوثق بدينه وخلوص توحيده ويقينه ، أي إن قراره يمتد إلى الاستغناء عمن يتابعهم في أعمال الدولة كافة ، وهذا يقتضي إجراء تبديلات واسعة.
إن كتاب المأمون واضح : هو تفكيك السيطرة السياسية على أفكار الجمهور الأكبر والسواد الأعظم ، وهي سيطرة لا تتسق مع دعم الخليفة ، وإنما قد تهدد هيمنته بما تحدثه من اضطرابات قد تصل إلى حد الثورة عليه وخلعه ، غير أن كتاب المأمون لم يحدد المطامح السياسية التي يعتنقها المسيطرون ، وهل هي مجرّد الحد من سلطانه أو حمله على إجراء تبديلات جذرية في الإدارة وأفكارها ، أم الإعداد لبديل عنه شخصيا أو عائليا ، وهل أن سيطرتهم تعبّر عن أهداف محددة واضحة ووحدة فكر ، أم أنها مجرد مواقف عامة غامضة المعالم والحدود ، علما بأن التجارب السابقة التي مرت بالدولة العباسية أظهرت أن الشعارات لا تكفي لإزاحة الحكومات ، وأن الحركات الثورية المتناثرة مهما كان عنفها فإنها لا تصمد أمام القوة التابعة للسلطة الحاكمة ، بما في ذلك الموارد المالية والمقاتلة والإيمان اللاشعوري بأهمية السلطان مهما كان ضعيفا.
فلا بدّ أن الذي أثاره إصدار هذا الكتاب هو أمر يتعلق بالأمن السياسي وسلطان الدولة ، علما بأن المأمون قصر حملته على باقي المسلمين ، ولم يشر إلى اضطهاد التيارات الزائغة من غير المسلمين أو من الزائغة في الإسلام.
أورد الطبري نصوص كتابين لاحقين أرسلهما المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم سمّى في أولهما ثمانية (١) ، وفي الثاني تسعة عشر طلب امتحانهم (٢) ، وكان ممن ذكرهم فقهاء ومحدثون لم يكن لهم عمل في الدولة. غير أنه في كتاب لاحق علّق فيه على أحوالهم ، فذكر أن بعضهم كان قد ولّي ولايات وأختاما ، وبعضهم كانت مودعة إليه أموالا وأختامها (٣) ، وليس فيهم ممن شارك
__________________
(١) الطبري ٣ / ١١١٦.
(٢) م. ن ٣ / ١١٢١.
(٣) م. ن ٣ / ١١٢٦.