وموقف المعتزلة منها ، وخلاصة بحثه أن فكرة خلق القرآن ليست من مبتدعات المعتزلة ، فأول من قال بها هو جهم بن صفوان الذي عاش في أواخر العصر الأموي في خراسان ولم تكن له علاقة بالمعتزلة الذين ، مع أنهم تبنّوها بعد ذلك ، إلا أنهم لم ينفردوا بالقول فيها ، ولم تكن تشغل حيّزا كبيرا من أفكارهم التي أقدم وأبرز ما فيها فكرة «المنزلة بين المنزلتين» و «العدل والتوحيد».
ويقول في توضيح العلاقة بين المعتزلة والمحنة ليس بين أيدينا على الإطلاق ما يثبت دعوى القول أن المعتزلة سواء أكانوا تقويين أم عمليين كانوا وراء هذه المحنة أو أنهم قادوا حملات التفتيش المتعلقة بها. والحقيقة أن المحنة كانت قرارا شخصيا من جانب المأمون ، والتزاما سياسيا وأخلاقيا من جانب خلفته المعتصم والواثق.
إن موضوع خلق القرآن موضوع كلامي صرف ، في حين أن كتاب المأمون يظهر أن المشكلة التي كان يواجهها هي مشكلة سياسية تمتدّ إلى الجمهور الأكبر والسواد الأعظم ، فالمحنة لم يكن غرضها الإقرار بعقيدة كلامية بدل أخرى ، بقدر ما هي وسيلة لضعضعة مكانة الممتحنين وانتزاع سيطرتهم السياسية على الجماهير عن طريق إلزامهم بقبول ما تفرضه الدولة عليهم ، والانضواء في طاعتها.
يروي الخطيب أن المأمون قال : لولا مكان يزيد بن هارون لأظهرت القرآن مخلوقا ، فقال بعض حاشيته ومن يكون يزيد بن هارون حتى تتّقيه ، فقال لا أتّقيه لأن له سلطانا أو سلطة وإني أخاف أن تكون فتنة (١) ، علما بأن يزيد بن هارون توفي سنة ٢٠٦.
يروي الطبري أنه في السنة ٢١٢ أظهر المأمون القول بخلق القرآن وتفضيل علي بن أبي طالب (٢). غير أنه لم يذكر أيّ مصدر أنه حاول في هذا الوقت المبكر فرضها على الناس ، ولم تذكر الكتب حادثة تبرّر فرضها. وقد أصدر المأمون قراره بفرض الفكرة والمحنة بكتاب أصدره في شهر ربيع الأول من سنة
__________________
(١) تاريخ بغداد للخطيب ١٤ / ٢٣٩ ـ ٤.
(٢) الطبري ٣ / ١٠٩٩ ، مروج الذهب ٣ / ٤٥٤.