أساليب التنفيذ :
لم يقم المأمون بنفسه بتطبيق المحنة ، ولم يعد إلى بغداد لمتابعتها ، ولعله كان يدرك ضعف خطرها في تهديد خلافته ، وأوكل مهمة متابعتها إلى إسحاق ابن إبراهيم المسؤول عن إدارة بغداد والذي لم يعرف عنه اهتمام خاص بالكلام وعلوم الحديث والسنّة ، أو أي موقف من أهلها.
لم ينشأ ديوان خاص لمتابعة تنفيذ الفكرة كالذي فعله المهدي مع الزنادقة ، وإنما أوكلت محاسبتهم إلى القضاة الذين غالب اختصاص عملهم ما نسميه اليوم المعاملات والأحوال الشخصية ، وليس أمور العقائد الكلامية ، علما بأن رئيسهم يحيى بن أكثم كان يرافق المأمون في رحلاته ، ولم تكن إقامته الدائمة في بغداد ، وأن عدد قضاة بغداد الرسميين ثلاثة : قاض لكل من مدينة المنصور ، والشرقية والكرخ ، والرصافة والجانب الشرقي. ولم تذكر المصادر تدابير أمنية أو أي عمل اتخذ لملاحقة معارضي فكرة خلق القرآن ، أو للقضاء على سيطرتهم على الرأي العام وإضعافها ، وهو الهدف الأكبر الذي كان يرمي إليه المأمون كما يتجلى من كتابه ، ولم تذكر الأساليب التي تتبّعها المسيطرون على توجيه الرأي العام وتحويل القضايا الكلامية إلى توجهات سياسية ولا مدى سيطرتهم على هذه التوجهات وعمق آثارها في عموم الناس.
إن كتاب المأمون واضح. هو تفكيك السيطرة السياسية على أفكار الجمهور الأكبر والسواد الأعظم ، وهي سيطرة لا تتسق مع دعم الخليفة ، وإنما قد تهدد هيمنته بما تحدثه من اضطرابات قد تصل حدّ الثورة عليه وخلعه ، غير أن كتاب المأمون لم يحدد المطامع السياسية التي يعتنقها المسيطرون ، وهل هي مجرّد الحد من سلطانه أو حمله على إجراء تبديلات جذرية في الإدارة وأفكارها ، أم الإعداد لبديل عنه شخصيا أو عائليا ، وهل تعبّر سيطرتهم عن أهداف محددة واضحة ، ووحدة فكر ، أم أنها مجرّد مواقف عامة غامضة المعالم والحدود.
علما بأن التجارب السابقة التي مرت بالدولة العباسية أظهرت أن الشعارات لا تكفي لإزاحة الحكومات ، وأن الحركات الثورية المتناثرة مهما كان عنفها فإنها