لا تصمد أمام القوة التابعة للسلطة الحاكمة ، بما في ذلك الموارد المالية والمقاتلة والإيمان اللاشعوري بأهمية السلطان مهما كان ضعيفا.
كانت بغداد المركز الرئيسي للعلماء الذين امتحنوا ، ولم تدم المحنة أكثر من خمس وعشرين سنة ، ولا نعلم مدى امتداد وعمق الاستياء الذي ولّدته ، إذ إن الفرحة بانتهائها قد تكون بالغت في أثرها في موقف أهل بغداد الذين لم يذكر قيامهم إبّانها بأي عمل إيجابي يعبّر عن استيائهم سواء في العبث بالأمن أو تهديده ، كما لم تذكر جماعة تحمسوا في الدفاع عنها. فآثارها الأمنية والسياسية محدودة.
لم تذكر الأخبار انتفاضة أو ثورة ، سوى محاولة لم تنفّذ في زمن الواثق ببغداد قام بها أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم ، وهو حفيد أحد نقباء بني العباس عندما أعدّوا ثورتهم وقاموا بها ، وكانت له مكانة في الدولة. وكان أحمد من أهل الفضل والعلم مشهورا بالخير والأمر بالمعروف. ولما اختلّ الأمن في بغداد بعد مقتل الأمين وكثر الدعّار والصعاليك مهددين الناس ، استطاع أحمد بن نصر أن يسهم في الحد من نشاطهم ، ويعيد الثقة بها.
ويروي الطبري أنه سنة ٢٣١ أعد لثورة في بغداد ، ولكن المحاولة كشفت قبل تنفيذها ، وألقي القبض على رأسها المدبّر أحمد بن نصر ، مع عشرين من أتباعه ، فأمر الواثق بإعدامه ، وظلت جثته منصوبة في سامرّاء إلى سنة ٢٣٧ حيث أمر المتوكل بإنزالها ورفعها إلى أوليائه ، ومع أن فشل الثورة لم ترافقه احتجاجات إلا أن العقاب الذي أنزل به أثار عطف الناس عليه وتقديرهم له وظلت ذكراه الطيبة تتردد في الكتب.