احتفظ المعتصم بعلاقة طيبة مع المأمون لدى عودته إلى بغداد ، ولم يذكر له إسهام في النشاطات السياسية والفكرية ببغداد ، مما يدل على أنه قصر اهتمامه على الحياة العسكرية ، ولعل هذا ما دفع المأمون إلى تقريبه والإفادة منه في إعادة بناء الجيش في بغداد الذي كان قد تصدع إثر الحرب بين الأمين والمأمون ، وبذلك تعززت مكانته ، وكان هو والعباس بن المأمون أبرز المقرّبين للمأمون من رجال الأسرة العباسية.
وفي سنة ٢١٣ ولّاه المأمون بلاد الشام ومصر ، كما ولّى ابنه العباس الجزيرة الفراتية ، وكانت مصر تواجه اضطرابات استطاع أن يقضي عليها ، ووجّهه في حملات على بلاد الروم ، وكانت تربطه بالعباس بن المأمون علاقة طيبة ، فلم يذكر خبر تنافس بينهما ، وظلت ولاية المعتصم على مصر سنتين ولكنه لم يقم خلالهما في مصر أكثر من ستة أشهر وخلّف في المدة الباقية إدارتها إلى أشخاص آخرين اختارهم (١). غير أن المعتصم كان يتميز بكبر سنه وكانت تتبعه قوة عسكرية تركية قوامها ثلاثة آلاف رجل.
احتفظ المعتصم بالسمة العسكرية التي ميّزته ، وكان أنموذج الفارس الباسل ، فهو من رجال السيف بعيدا عن رجال القلم من الأدباء والكتّاب ورجال الإدارة المدنية ، وكان معروفا بالقوة البدنية.
رافق المعتصم المأمون في رحلته إلى بلاد الشام وشارك في الحملة التي قادها المأمون سنة ٢١٨ على الروم وأحرز انتصارات ، غير أن المأمون مرض وأدرك أن منيته عاجلة فعيّن المعتصم وليّا للعهد ولم يعيّن ابنه العباس الذي كان يرافقه ويشارك في قيادة الجيش ، ولا بدّ أن المأمون عندما اتخذ هذا القرآن كان واقعا تحت تأثير أحوال الحملة ومتطلباتها العسكرية ، فاختار أخاه المعتصم الذي يتميز بالشجاعة وأشهد على ذلك من معه من القضاة والفقهاء والقوّاد وبحضور ابنه العباس ، وكان تعيينه لولاية العهد مفاجأة دون تمهيد مسبق كما كان الأمر معمولا به في زمن الأمويين والعباسيين. وقد تولّى المعتصم الخلافة
__________________
(١) الطبري ٣ / ٩٩٣ ، ١١٠٥.