بعد أيام من قرار المأمون وتمّت بيعة المعتصم بإرادة حرة من المأمون وبحضور ابنه العباس الذي شارك في البيعة ممتعضا ، غير أن عددا من قادة الجيش لم يرضهم تولّي المعتصم المرتبط بمجموعة من الجند ذوي سمات خاصة ، فأظهروا عدم رضاهم ودسوا مؤامرة قضى عليها المعتصم وقتل العباس وعددا من القادة الذين لم يساندوا اختياره خليفة ، وبذلك كان تولّيه الخلافة قائما على موقف الجند ، واستعملت فيه القوة لتثبيته.
وحالما ولي الخلافة هدم بعض حصون الروم ، وأمر بإعادة الجيش إلى بغداد لمنع تجديد الفتنة ولإرضاء الجند بإعادتهم إلى أهليهم في بغداد.
تمّت بيعة المعتصم في معسكر على حدود دولة الروم بعيدا عن بغداد ومن فيها من العلماء والفقهاء ورجال الإدارة وأهل الحل والعقد من المدنيين. ولي الخلافة دون أن تتاح الفرصة للحصول على تأييد الأمة لهذه البيعة ، فكان ذلك بداية انعزال الخلافة عن الأمة التي أصبحت «رعية» تتلقى القرارات وتنفذها دون أن يؤخذ رأيها فيها ولو شكليا ؛ ولا بدّ أن وقع ذلك كان أقوى على بغداد التي كانت المكان الذي يبدأ منه إعلان البيعة لولي العهد وللخليفة مما كان يعزز مكانتها في عموم الدولة وعند الخليفة الجديد. وقد قبل أهل بغداد الأمر الواقع ولم يعترضوا على تولّيه الخلافة أو على الأسلوب الذي لم يسبق الأخذ به. فأبعدت بغداد من مركزها المتميز عن المراكز المتعددة للدولة ، وأصبحت كبقية مدن الدولة الأخرى تبلّغ باختيار الخليفة ولا تشارك فيه. علما بأن تحطّم الجيش الذي كان مقيما في بغداد ، خلال النزاع بين الأمين والمأمون ، جعل العناصر الحضرية من العلماء والمفكرين والمثقفين والتجار تطغى فتعزّز في بغداد مكانتها وتسود فيها سماتها التي تختلف عما تميّز به الخليفة الجديد من الروح العسكرية والبعد عن الحياة الفكرية.
قبل أهل بغداد تولّي المعتصم الخلافة ، ولم يظهروا اعتراضا عليها على الرغم من أن الطريقة التي اتّبعت فيها تكوّن ثلما في العلاقة بينهم وبين الخليفة الجديد الذي أسرع بالعودة مع جيشه إلى بغداد ولم يحدث تبديلات أساسية في الإدارة والأحوال. وعند ما وصل بغداد كان أول عمل قام به معالجة خطر الزّطّ الذين كانوا يعيثون منذ زمن المأمون في بطائح جنوب العراق ويعرقلون اتصال