بغداد بالبصرة وتجارتها. فأرسل حملة بقيادة عجيف بن عنبسة الذي قضى خمس سنوات أفلح بعدها في القضاء على ثورتهم وعيشتهم. ثم نفّذ حملة أخرى بقيادة الأفشين للقضاء على بابك الخرمي الذي أعلن العصيان في أذربيجان ؛ وبذل المعتصم لهذا الجيش الأموال ، واستطاع الأفشين القضاء عليه بعد جهود مضنية دامت ثلاث سنوات (١).
الجيش في بغداد
كان الخلفاء العباسيون الأوائل يعتمدون على قوة عسكرية عظيمة في بغداد تدين بالولاء للخليفة فتثبت سلطانه وتدعم هيبته عند أهلها ؛ ولكن هذه القوة تفكّكت في القتال بين الأمين والمأمون ، وصار اعتماد الأمين في الدفاع عن بغداد على أهلها الذين دافعوا ببسالة عن مدينتهم ولم يتضعضعوا إلا بعد أن فرض طاهر بن الحسين حصارا اقتصاديا قويّا ؛ فلما استسلمت بغداد للمأمون لم تعد فيها قوة عسكرية يعتمد عليها ، ولم يكن بالإمكان سحب مقاتلة الثغور من حدود دولة الروم لأن ذلك يعرّض حدود الدولة إلى أخطار تجاوزات الروم عليها ؛ وكانت هذه القوات قد توجهت لقتال أعداء الدولة وليس للمشاركة في النزاعات الداخلية.
لم يؤمّن طاهر بن الحسين ، بعد سيطرته على بغداد ، ولاء أهلها للمأمون ؛ وكانت لبعضهم مكانة يحاولون السيادة على بغداد وأطرافها مستغلين ضعف القوة التي يستند إليها الولاة ، وتدنّي هيبتهم. فلما عاد المأمون إلى بغداد ، بعد أربع سنوات من القضاء على الأمين ، تابع سياسة «لمّ الشمل» ، وجلب رضى الناس ، فأعاد لباس السواد ، وهو شعار العباسيين ، ولم يضطهد من عمل في مناوأته ، وإنما تسامح معهم ، وحاول تقريبهم إليه وكسب رضاهم.
ولكن المأمون كان يدرك أن السياسة السلمية لا تكفي وحدها لتثبيت هيبة الخليفة وسلطانه ، وأنه كان لا بدّ له من قوة عسكرية بتصرّفه تقيم في بغداد
__________________
(١) انظر عن هذه الحركة كتاب البابكية لحسين قاسم العزيز الذي رغم غزارة مادته ، فإنه يبالغ في السمة القومية المحلية لحركة بابك ؛ وانظر عن جهودها العسكرية ما كتبه الطبري في تاريخه.