أما العرب فهم من الذين كانت مواطنهم شبه جزيرة العرب أو خرجوا منها ، وتميّزهم اللغة العربية وعدد من النظم الاجتماعية التي تنظّم حياتهم ؛ وكانوا قوام جيش الرسول صلىاللهعليهوسلم والجيوش التي قضت على حركات الردة والانشقاق في الجزيرة العربية ، ثم وسعت رقعة الدولة بعد قضائها على جيوش الساسانيين ودحرها جيوش الروم ومدّها حدود الدولة إلى الأطلسي والبيرانيس غربا ، وأواسط آسيا شرقا. واستنفد هذا التوسع طاقات شبه الجزيرة من المقاتلة فلم تستطع متابعة إمداد الدولة بالمقاتلة وتغذية الأمصار والجبهات الواسعة بعد أن توزعوا في عدد كبير من المراكز لحماية حدود الدولة وتوسيع رقعتها.
وكانوا في أوقاتهم الطويلة في هذه المراكز قد تأقلموا وقويت ارتباطاتهم بها وتطورت أحوالهم الحضرية والفكرية. وتأثر كثير بالتيارات السياسية الداخلية التي تمركز كثير منها حول الخلافة مما أضعف فيهم الروح العسكرية وشغلهم بمتطلبات الحياة المعاشية والفكرية ، وظلت الروابط القبلية تؤثر في توجهاتهم السياسية ؛ وقد عبّر المأمون عن هذه الأجواء عندما تعرّض له رجل من أهل الشام وقال له انظر لعرب الشام كما نظرت لعجم أهل خراسان فأجاب المأمون أكثرت علي يا أخا أهل الشام : والله ما أنزلت قيسا عن ظهور الخيل إلا وأنا أرى أنه لم يبق في بيت مالي درهم واحد ، وأما اليمن فو الله ما أحببتها ولا أحبتني قط ، وأما قضاعة فسادتها تنتظر السفياني وخروجه فتكون من أشياعه ؛ وأما ربيعة فساخطة على الله منذ بعث نبيّه من مضر ، ولم يخرج اثنان إلا خرج أحدهما شاريا. اعزب فعل الله بك (١).
وتشير الدلائل إلى أن أهل البصرة والكوفة لم يعودوا «مقاتلة» منذ أوائل الخلافة العباسية ، إذ لا توجد إشارة إلى توزيع العطاء والرزق على المقاتلة في أي منهما ؛ ولم يرد في أخبار بغداد عندما أسّسها المنصور أنه أعطى من استوطنها من المقاتلة من قطائع الأرباض حول المدينة المدوّرة غير قطيعة
__________________
(١) الطبري ٣ / ١١٤١ ؛ ورواه الآبي مع بعض الاختلاف في النص ، نثر الدر ٣ / ١٦ ـ ٧ ؛ طيفور ١٤٦.