وكانت جبهتا التوسع الرئيسيتان في كلّ من الغرب وأقصى الشرق ، وأفسح العرب في كلتا الجبهتين المجال لاستخدام غيرهم في جيوشهم ، فكان من البربر عدد كبير في الجيوش الإسلامية التي قاتلت في المغرب وشاركت في فتح الأندلس. أما في المشرق فقد ذكر البلاذري أن الأحنف بن قيس عندما تقدم لفتح الجوزجان والطالقان والفارياب ، وهي المناطق الواقعة جنوبي خراسان ، «قاتلهم وهو في خمسة آلاف من المسلمين ، أربعة آلاف من العرب وألف من العجم» (١). والراجح أن هؤلاء العجم الذين كوّنوا خمس الجيش الإسلامي هم أساورة البصرة ، وأن مشاركتهم العرب في القتال والفتوح لم تقتصر على هذه المنطقة فحسب ، بل امتدّت أيضا إلى فتح مناطق أخرى لم تذكرها المصادر.
وكانت خراسان من الأقاليم التي فرض فيها العرب على البلاد المفتوحة تقديم رقيق للدولة ، فيروي أبو عبيدة أن عبد الله بن عامر صالح مرو «على وصائف ووصفاء ودواب ومتاع ، ولم يكن عند القوم يومئذ عين ، وكان الخراج كلّه على ذلك حتى ولي يزيد بن معاوية فجعله مالا (٢)». كما أن قتيبة بن مسلم الباهلي لمّا ولي خراسان فرض على عدد من المدن ، التي فتحها فيما وراء النهر ، أن تقدم مقاتلة يشاركونه في الفتوح.
لا نعلم تفاصيل أوضاع وتنظيمات القوات الأعجمية التي استخدمها العرب في جيوشهم منذ زمن قتيبة ، ومن المحتمل أنهم ظلوا مرتبطين بمواطنهم الأصلية ، وكانوا يقاتلون مع العرب في مواعيد القتال أي في الصيف ، ثم يعودون في الشتاء ، كلّ إلى مدينته ، وبذلك صار المكان أساس تنظيمهم في الأوقات التي لا يجري فيها قتال. وهذه هي الصورة الظاهرية لجيش الخراسانية الذين استوطنوا بغداد عند تأسيسها ، فقد أعطى لأهل كل بلد قطيعة وجعل عليهم رؤساء منهم. وسمّيت القطائع بأسمائهم أو بأسماء رؤسائهم.
__________________
(١) فتوح البلدان ٤٠٦.
(٢) المصدر نفسه ٤٠٥.