أهل ما وراء النهر في جيش بغداد
ولما ولي المأمون خراسان بعد وفاة أبيه الرشيد اهتم بتوسيع الدولة ومدّها شرقا في أواسط آسيا ، وفي هذا يقول البلاذري «لما استخلف المأمون أمير المؤمنين أغزا السغد وأشروسنة ومن انتفض عليه من أهل فرغانة ، الجند ، وألحّ عليهم بالحروب بالغارات أيام مقامه بخراسان وبعد ذلك ، وكان مع تسريبه الخيول إليهم يكاتبهم بالدعاء إلى الإسلام والطاعة والترغيب فيه (١). ومن أبرز المنضمين إليه كاوس ملك أشروسنة وابنه الأفشين (٢). وتابع المأمون بعد توليه الخلافة سياسته في الاهتمام بتوسيع الدولة في أواسط آسيا وضم الترك إلى حضرتها ، فكتب إلى عماله على خراسان في غزو من لم يكن في الطاعة والإسلام من أهل ما وراء النهر ، ووجّه رسله فيفرضون لمن رغب في الديوان وأداء الفريضة من أهل تلك النواحي وأبناء ملوكهم ، ويستميلهم بالرغبة ، فإذا وردوا بابه شرّفهم وأسنى صلاتهم وأرزاقهم.
ثم استخلف المعتصم بالله فكان مثل ذلك ، حتى صار جلّ شهود عسكره من أهل ما وراء النهر من السغد والفراغنة والأشروسنية وأهل الشاش وغيرهم.
وحضر ملوكهم ، وغلب الإسلام على من هناك ، وصار أهل تلك البلاد يغزون من وراءهم. وأغزى عبد الله بن طاهر ابنه طاهر بن عبد الله بلاد السغد ، ففتح مواضع لم يصل إليها أحد من قبل.
إن اهتمام المأمون بتوسيع الدولة في بلاد أواسط آسيا يرجع كثير منه إلى انتقال أغلب مقاتلة خراسان إلى العراق والثغور في أطراف بلاد الروم وإلى نقل بعضهم إلى المغرب ليسهموا في إخماد الثورات على الخلافة ، فكانت سيطرته على الترك تيسّر له جمع رجال متميزين بالكفاءة القتالية ، لم تدخلهم الأهواء ولم يتعرضوا للانقسامات السياسية والعقائدية التي انتشرت في أقاليم الدولة.
__________________
(١) فتوح البلدان ٤٣٠.
(٢) المصدر نفسه ٤٢٩.