ومما يسّر تحقيق سياسته أن الترك لم تكن لهم ثقافة عميقة حريّة بالتمسك ، فلم يصعب على الإسلام بخصائصه المميزة أن ينتشر في الترك ، ولا سيما أن الإسلام تسنده دولة قوية تتميز بتيسير الحرية للناس ، فضلا عن أن الازدهار الاقتصادي فيها يوفر للتجار مجالا للربح.
اهتم المأمون بالتوسع في المشرق منذ أوائل سني ولايته على خراسان ، ولم تذكر المصادر صعوبات واجهها في هذا التوسع الذي لم تصلنا تفاصيله ، ومن المحتمل أن جيش طاهر بن الحسين الذي وجّهه المأمون للسيطرة على بغداد كان فيه من الترك عدد يصعب تقديره.
السغد
كانت خراسان في زمن الخلفاء الراشدين آخر إقليم للدولة الساسانية في المشرق ، وحدّها في الشرق نهر جيحون. أما البلاد التي ما وراءه فكان أهلها من السغد ، ووراءهم بلاد الترك ثم بلاد المغول.
والسغد قوم تميّزوا بسمات حضارية متقدمة ، وقد وصلهم الإسكندر المكدوني في فتوحه في المشرق وضمّهم إلى دولته ، وأقام فيهم جالية إغريقية كونت بعده دولة باكتريا ، وعاصمتها بلخ (١) ؛ وكانت بلادهم عند تقدّم العرب متقدمة في الحضارة وفيها عدد من المدن المزدهرة فلجأت إليها أعداد من مختلف هذه التيارات ، بمن فيهم معتنقو البوذية من الصين ، حيث كان لهم في بلخ معبد النوبهار ومن سدنته برمك جد أسرة البرامكة ، كما لجأت إلى بلادهم أعداد من معتنقي المانوية التي اضطهدها الساسانيون ، وأعداد من النصارى واليهود ، وربما أصحاب عقائد أخرى ، مستفيدين من الحرية الواسعة المتوافرة لهم في هذه البلاد. غير أنهم لم تكن لهم عند تقدّم المسلمين إلى بلادهم دولة يهيمن عليها حاكم يوحّدهم سياسيا ، فكانت غالبية مدنهم تتمتع باستقلال
__________________
(١) انظر كتاب «الإغريق في باكتريا» لتارن بالإنكليزية.