تثبيت سلطانهم والاستقرار في بغداد والعراق ، بالإضافة إلى المهمات التي كانت تستند إليه في تقوية الثغور والمشاركة في الحملات التي ترسل للتوغل في أطراف بلاد الروم ، وفي إخماد بعض الثورات في بلاد المشرق ، وكذلك في تدعيم سلطان العباسيين في شمالي أفريقيا وأقاليم المغرب.
ولما استتبت الخلافة للمأمون ظلت الحاجة ملحّة لجيش قوي تستند إليه الخلافة في قمع الثورات ، وفي حماية الحدود وصدّ أخطار الروم ، وفي تثبيت الأمن في البلاد. وكان الخراسانيون عماد الجيش الذي ارتكز عليه المأمون ، غير أن الحروب الكثيرة التي شاركوا فيها أرهقتهم واستنزفت طاقة خراسان بإمداد الخلافة بالرجال ، كما أن المقاتلة العرب كانت تهزهم التيارات السياسية التي تعرّضوا لها ودفعت كثيرا منهم إلى اتخاذ مواقف ليست من مصلحة الخلافة ، ولم يكن من السهل الاعتماد على جزيرة العرب بمدّ جيوش العباسيين بالرجال ، فكان لا بدّ من البحث عن مصادر أخرى لإدامة قوة الجيش ، ورأى المعتصم أن الترك في أواسط آسيا يكوّنون مصدرا معتمدا في إمداد الجيش الإسلامي بالرجال.
الترك
الترك شعب قديم الأصول تميّزهم لغة عامة يستعملونها وإن اختلفت لهجاتها ، وديانتهم الشنتوية ضحلة في عقائدها وضعيفة في قدرتها على التأثير في حياتهم وأفكارهم وعقائدهم (١). وفيهم خصائص تميّزهم وتغري باستخدامهم في الجيش ، وقد أفاض الجاحظ في التعبير عنها في رسالته «مناقب الأتراك».
وكان مما قاله : التركي في بلاده ليس بقاتل على دين ولا على تأويل ولا على ملك ولا على خراج ولا على عصبية ، ولا على غيرة دون الحرمة والمحرم ولا على حمية ولا على عداوة ، ولا على وطن ومنع دار ولا مال (٢). وذكر أن
__________________
(١) انظر تفاصيل أوفى في كتاب بارتولد «تاريخ الترك في أواسط آسيا».
(٢) مناقب الأتراك ٥٢.