الأتراك قوم لا يعرفون الملق ولا الخلافة ولا النفاق ولا السعاية ولا التصنع ولا النميمة ولا الرياء ولا البذخ على الأولياء ، ولا البغض على الخلفاء ، ولا يعرفون البذخ ، ولم تفسدهم الأهواء ، ولا يستحلون الأموال على التأويل (١) ، وذكر كذلك ميزاتهم التي اختصوا بها في القتال مما ذكرناه أعلاه.
كانت ديار الترك الأولى في أواسط آسيا ، بين بلاد المغول المحاذية للصين وبلاد الصغد المحاذية لخراسان (٢) ، وانتشر بعض أفرادهم في بلاد الصغد واستوطنوا مدنها واختلطوا بأهلها وتأثروا بحضارتها ؛ وكانت لهم عند ظهور الإسلام دولتان سيطرت إحداهما على البلاد المحاذية للصغد. وبسبب بعد بلادهم عن دولة الإسلام فإن المعلومات المتوافرة عنهم في الكتب العربية عامة ومقتضبة وغير مفصّلة ، وكان احتكاكهم بالعرب في المراحل الأولى ضعيفا ، إذ إن العرب بعد قضائهم على الحكم الساساني وضمّهم خراسان ركزوا جهودهم على مدّ دولتهم إلى أقاليم الصغد المتاخمة لخراسان ، والغنية بمواردها الاقتصادية وتقدّم أهلها في الحضارة وكان قد اعتنق كثير منهم المانوية كما انتشرت فيهم البوذية والمسيحية وبعض اليهود. وخلال فتوح بلاد الصغد حدث أول احتكاك بين العرب والترك الذين أعان بعضهم الصغد في قتالهم مع العرب ، ومن ذلك أنهم استمدوا الخاتون حاكمة بخارى عندما هاجمها العرب في زمن ولاية عبيد الله بن زياد وسعيد بن عثمان ، وأعانهم دهقان الترمذ في مقاومتهم تقدّم العرب. وازداد احتكاك العرب بالترك لما توغل كلّ من قتيبة بن مسلم ثم الجراح الحكمي وسعيد خدينة إلى أشروسنة والشاش واشتيخن ، وكذلك عندما توغل أسد بن عبد الله واشتبك مع خاقان الترك ، وعندما غزا نصر بن سيار أشروسنة (٣).
كانت هذه الحركات في أقاصي حدود الدولة الإسلامية وهي غزوات متفرقة
__________________
(١) مناقب الأتراك ٦٢.
(٢) مروج الذهب ١ / ١٤١ ـ ٥ ؛ التنبيه والإشراف ٥٧ ، ٧٧ ؛ لطائف المعارف للثعالبي ٢٤ ، ١٥٣.
(٣) انظر تاريخ تركستان لبارتولد «تاريخ الترك في أواسط آسيا» ، وانظر فتوح البلدان ، «للبلاذري» ٤٠٩ ، ٤١٧ ، ٤١٨ ، ٤٢٠ ، ٤٢٥ ، ٤٢٦ ـ ٤٢٨.