وشيد العرب مدنا ليقيم فيها الحاكم وحاشيته وهي في الغالب قرب مراكز قديمة كالعباسية التي أنشأها أمراء شمال أفريقيا قرب القيروان.
أما بغداد فإن تخطيطها يظهر أن المنصور أراد منها إقامة مدينة تحميه من الأخطار الداخلية والخارجية كالتي هددته عندما حاصر الراوندية مدينة الهاشمية التي كان يقيم فيها بالكوفة ، ولذلك أحاط قصره والجامع وبيوت أولاده الصغار بسور وزع خارجه الحرس والشرطة وأحاطهم بسورين وخندق لصدّ أي خطر يداهمه (١).
ولا ريب في أن أكثر هذه المدن سرعان ما تطورت فيها حياة حضرية واقتصادية وفكرية غيرت سماتها الأولى ، ودام بعضها سنين أو قرونا يحمل السمات التالية التي تخالف ما كانت فيها نشأتها الأولى.
أما سامرّاء فإن المعتصم أسسها واتخذها مقرا لتجنّب الأخطار الناجمة عن أن الاحتكاك بأهل بغداد قد يؤدي إلى تهديد خلافته ، فغرضه دفاعي بالدرجة الأولى. وذكرت بعض المصادر أنه قام بنقل مقر إقامته من بغداد بسبب حوادث اصطدامات متفرقة حدثت بين جنده الأتراك وأهل بغداد الذين تأذّوا منها. وفي هذا يروي الطبري أن سبب خروج المعتصم إلى القاطول كان أن غلمانه الأتراك كانوا لا يزالون يجدون الواحد بعد الواحد منهم قتيلا في أرباضها ، وذلك أنهم كانوا عجما جفاة يركبون الدواب ، فيتراكضون في طرق بغداد وشوارعها ، فيصدمون الرجل والمرأة ويطأون الصبي ، فيأخذهم الأبناء ، فشكت الأتراك ذلك إلى المعتصم ، وتأذت بهم العامة (٢). وينقل عن أحمد بن خالد أن المعتصم بعثه في سنة ٢١٩ وقال اشتري بناحية سامرّاء موضعا أبني فيه مدينة فإني أتخوف أن يصيح هؤلاء الخرّمية صيحة ، فيقتلوا غلماني ، حتى أكون فوقهم فإن رابني منهم ريب أتيتهم في البر والبحر ، حتى آتي عليهم (٣).
__________________
(١) انظر كتابنا «بغداد مدينة السلام» من منشورات المجمع العلمي العراقي.
(٢) الطبري ٣ / ١٠ / ١١ ـ ١.
(٣) المصدر نفسه ٣ / ١١٧٩.