إن عزم المعتصم الانتقال من بغداد بعد إقامة أقل من سنة لا يبرره احتكاكات محدودة بين جنده وبعض أهل بغداد في الخرّمية كما تدّعي رواية الطبري ، إذ إن مثل هذه الحوادث يمكن معالجتها لأنها كانت محدودة ، فلا بدّ أن الانتقال جرى لأسباب أبعد وهي إدارك المعتصم ضعف وشائج صلته بأهل بغداد الذين لم تكن لهم به صلات وثيقة مما يجعل وضعه في بغداد غير راسخ ويعرّضه لأخطار مهددة ، لذلك عجل في الانتقال عنها وارتاد موضعا جديدا.
كان الغرض من إنشاء سامرّاء غرضا دفاعيا وكانت مصادر الأخطار المهددة من الجيش والعامة ، وقد اتخذ ف معالجتها أسلوبا يختلف عما اتخذه المنصور عند تأسيسه بغداد ، إذ إنه لم يحرص على تحصين مدينته أو قصره بالأسوار والخنادق ، وإنما عمد إلى توزيع منازل من معه من الجند في أماكن متباعدة فتفرقهم وتعرقل تجمعهم وتهديدهم ، كما أن العامة لم يكونوا خطرا عليه لأنهم عند تأسيسها كانوا قليلين نسبيا وهم من الكسبة ومتفرقون في أرجائها الواسعة ولم تستقر فيهم توجيهات سياسية وأحزاب كالتي كانت في بغداد.
البحث عن المكان :
ذكر الطبري : «فلما كانت سنة ٢١٩ ، وقيل سنة ٢٢٠ ، وذلك عندي خطأ ، خرج المعتصم يريد القاطول ، ويريد البناء بسامرّاء ، فصرفه كثرة زيادة دجلة ، فلم يقدر على الحركة ، فانصرف إلى بغداد إلى الشماسية ، ثم خرج بعد ذلك» (١).
وذكر المسعودي أن المعتصم عزم على النقلة من بغداد وأن ينزل في فضاء من الأرض فنزل البردان على أربعة فراسخ من بغداد فلم يستطب هواءها ، فلم يزل يتنقل ويتقرى المواضع والأماكن في دجلة وغيرها حتى انتهى إلى الموضع المعروف بالقاطول فاستطاب الموقع وكان هناك قرية يسكنها خلق من الجرامقة وناس من النبط على النهر المعروف بالقاطول آخذا من دجلة. فبنى هناك قصرا
__________________
(١) الطبري ٣ / ١١٨٤.