وبنى الناس وانتقلوا من مدينة السلام ونالت من مع المعتصم شدة عظيمة لبرد الموضع وسلامة أرضه وتأذوا بالذباب (١). وقد تفرّد المسعودي بذكر الجرامقة في هذه المنطقة ، لأن المعروف أن الجرامقة يقيمون في بلاد الشام ، ولعل بعضهم نقل إلى هذه المنطقة في زمن ، ولم تجد له المصادر.
لفتت منطقة سامرّاء نظر عدد من الخلفاء العباسيين. فيروي ابن الفقيه أن السفاح أراد أن يبني فيها ثم بنى مدينة الأنبار ، وأن المنصور عندما أراد اختيار موضع لبناء مدينة يتخذها مقاما له أرسل من يفتش عن موضع مناسب ، وابتدأ بالبناء في البردان ثم بدأ له وبنى بغداد (٢).
وذكر أن الرشيد كان إذا ضجر من المقام ببغداد يتنزه بالقاطول وقد كان بنى هناك مدينة آثارها وسورها قائم ولكنه لم يتمها (٣). وأراد الرشيد أيضا بناءها ، فبنى بحذائها فابتدأ في البناء ، فبنى عندها قصرا سمّاه المبارك ، وهو بحذاء بناء قديم كان الأكاسرة قد بنوه. ولعلها هي التي ذكرها الجاحظ بقوله ، المباركة في القاطول (٤).
وقد وجدت دراهم فضية ذكر عليها أنها ضربت في المبارك زمن الخلافة الأموية في السنوات ١٠٧ ـ ١١٠ / ١١٧ ـ ١٢٠ ولابدّ أنها غير المباركة التي بناها الرشيد.
يذكر البلاذري أن الرشيد كان قد ابتنى قصرا حين بنى قاطوله الذي دعاه أبا الجند.
إن هذه المواضع كافة تقع شرقي دجلة على الطريق إلى الموصل ولم تقم فيها مقاتلة من العرب ، وكانت في العصر الأموي معرضة إلى اضطرابات سببها حركات الخوارج ، وقد اهتم بها هارون الرشيد عندما عمّر القاطول وسمّاه أبا الجند.
__________________
(١) مروج الذهب ٣ / ٤٦٦.
(٢) البلدان ١٤٣ (مخطوطة مشهد).
(٣) معجم البلدان ٣ / ١٥.
(٤) مناقب الأتراك ٦٢.