الأزدي في تعليل ذلك فقال : إن سامرّاء كانت مدينة عظيمة عامرة كثيرة الأهل فخربت حتى صارت خربة ، وكان سبب خرابها أن أعراب ربيعة وغيرهم كانوا يغيرون على أهلها فرحلوا منها (١). والواقع أن هذه المنطقة تأثرت من الاضطرابات التي رافقت حركات الخوارج فيها مما حمل الأمويين على إقامة حامية عسكرية دائمة في الراذان لحفظ الأمن والسلام في المنطقة. ويقول المسعودي «إنها في القديم كانت عظيمة عامرة ، فلم تزل تتناقص على مر الأيام وكان آخر خرابها في أيام فتنة الأمين والمأمون» (٢).
إن الرقعة التي اختارها المعتصم لإنشاء مدينته بعد أن قرر التخلي عن الإقامة في القاطول ذكر عنها المسعودي فقال «كان هناك للنصارى دير عادي». وذكر في مكان آخر «أن موضع قصر المعتصم كان ديرا للنصارى فابتاعه منهم» (٣). وذكر اليعقوبي أن المعتصم عندما ارتحل من القاطول إلى سرّ من رأى فوقف في الموضع الذي فيه دار العامة ، وهناك دير للنصارى فاشترى من أهل الدير الأرض واختطّ فيه ، وصار إلى موضع قصر الجوسق على دجلة (٤). ويقول الأزدي إن المعتصم ابتاع أرض سامرّاء بخمسمائة ألف درهم من أصحاب دير كان هناك ، واشترى موضع البستان المعروف بالخاقاني بخمسة آلاف درهم (٥).
تلقي هذه النصوص الضوء على أسعار الأراضي عند بناء المدينة ، وتدل على أن المنطقة كانت قليلة السكان ، وربما قليلة المزارع أيضا.
يقول حفيد حاجب النعمان إن المعتصم لما نزل سامرّاء «ولّى راشدا المغربي كورتين تتصلان بسرّ من رأى ، وهما تكريت والطيرهان ، وأخرجهما من الموصل ، وبقي من كور الموصل ما ينسب إليها سبع كور». ولم يحدد هذا الحفيد أو غيره من المصادر حدود كلّ من تكريت والطيرهان ولعل سامرّاء كانت من الطيرهان.
__________________
(١) تاريخ الموصل ٤١٦.
(٢) التنبيه والإشراف ٣٠٩.
(٣) مروج الذهب ٣ / ٤٦٦ ، التنبيه والإشراف ٣٠٩.
(٤) تاريخ اليعقوبي ٣ / ١٨٦.
(٥) تاريخ الموصل ٤١٦.