الموضع المعروف بالدور ثم الكرخ وسرّ من رأى مادّا إلى الموضع الذي كان ينزله ابنه أبو عبد الله المعتز (بلكوارا) ، ليس بين شيء من ذلك فضاء ولا فرج ولا موضع لا عمارة فيه ، فكان مقدار ذلك سبعة فراسخ.
إلا أن هذا الإعمار لم يدم إذ لمّا ولي المنتصر «انتقل إلى سرّ من رأى وأمر الناس جميعا بالانتقال من الماحوزة ، وأن يهدموا المنازل ويحملوا النقض إلى سر من رأى ، فانتقل الناس وحملوا أنقاض المنازل إلى سرّ من رأى وخربت قصور الجعفري ومنازله ومساكنه وأسواقه في أسرع مدة ، وصار الموضع موحشا لا أنيس به ولا ساكن ، والديار بلاقع كأنها لم تعمّر ولم تسكن.
ويتبين من هذا أن التحول الذي أراده المتوكل لم يدم طويلا ، فعاد الناس بعد مقتله إلى سامرّاء ، والراجح أنهم او أكثرهم ، عادوا إلى منازلهم الأولى ، وأعادوا إعمارها ، ولابدّ أن نشير إلى أن في هذا الكلام مبالغة يصعب قبولها بحرفيتها.
مواد البناء والعمال
إن أول مستلزمات بناء المدينة هو توافر المواد الأولية وتوافر الأيدي العاملة للقيام بالبناء. ولا ريب في أن أرض سامرّاء توفّر المادة لصنع اللّبن والجص والطابوق ، وهذه تؤمن البناء البسيط كالذي كانت عليه الكوفة والبصرة في السنوات الأولى من تشييدهما ، وهي تؤمّن بناء البيوت البسيطة لعامة الناس كما أنها أساسية لبناء حتى القصور. غير أن المعتصم استهدف إنشاء مدينة متقدمة في العمران لا تقلّ في مستواها عما كانت عليه بغداد في زمنه ، أي بعد مرور أكثر من سبعين سنة على تأسيسها ، وكان هذا يتطلب استيراد بعض المواد الضرورية لتحقيق هذا المستوى العمراني ، وفي هذا يقول اليعقوبي إن المعتصم «كتب في حمل الساج وسائر الخشب والجذوع من البصرة وما ولاها وسائر السواد ، ومن أنطاكية وسائر سواحل الشام وفي حمل عملية الرخام وفرش