عددها عشرين أو ثلاثين شخصا سوى شخص واحد أو شخصين فقط على قيد الحياة. وذكر أحد الأرمن للمستر غروفز أن سكان المئة والثلاثين دارا التي كانت تتكوّن منها محلته لم يبق منهم حيّ سوى سبعة وعشرين شخصا فقط. كما أخبر ابن الملا المتصل بالمستر غروفز أن المحلة التي يقيم فيها هو لم يبق فيها حيّ ولا شخص واحد ، فقد ماتوا كلهم. أما السيد إبراهيم ، الخادم الوحيد الذي بقي على قيد الحياة من خدام الكولونيل تايلور ، فلم يسلم من أسرته البالغ عددها أربعة عشر شخصا سواه هو وحده. ومن حوادث الوفيات الفريدة في بابها ، التي حصلت في جهات الباشوية الأخرى ، يمكن أن أذكر أن الحلة لم يكد يبقى فيها أحد من الناس بسبب الطاعون ، بعد أن كان عدد نفوسها قبل الطاعون يناهز العشرة آلاف نسمة. ويبدو مما استطعت أن أحصل عليه من الأخبار ، ومما يرتأيه المستر غروفز ، أنه من المحتمل جدا أن يكون الطاعون قد أتى على ثلثي (١) السكان كلهم في بغداد ، وأن عدد الذين وقعوا فريسة لهذا المرض لم يكن أقل من مئة ألف نسمة إذا لم يكن أكثر. ولا شك أن عدد الوفيات قد ازداد بصدفة الفيضان المؤسفة ، فقد وقع أولا في الريف فحال دون هروب الناس من الطاعون وحاصر القسم الأعظم منهم ما بين الأسوار. ثم تسرّبت المياه إلى المدينة نفسها وعند ذلك لم تغرق الألوف من الناس أو تدفن في خرائب البيوت فقط وإنما احتشد من بقي على قيد الحياة
__________________
(١) لقد ظل الطاعون خطرا مرعبا في جميع أنحاء المعمورة على مر الدهور وكر القرون ، وظل شبحه المخيف يقض مضاجع الأمم ويقضي على الملايين من نفوسها حتى استطاع العلم الحديث تشخيص ميكروبه وتعيين طريقة عدواه في نهاية القرن التاسع عشر. فقد بلغت ضحايا الطاعون في روما سنة (٨٠) للميلاد عشرة آلاف نفس في اليوم الواحد. وقضى الطاعون الذي انتشر في أوروبة كلها عام ١٣٤٨ م على (٢٥) مليونا من البشر ، أي على ما يقرب من ربع السكان فيها جميعهم. فهبط عدد نفوس روما بهذا السبب إلى عشرين ألف نسمة فقط. ومات في فلورنس وحدها ما يزيد على (١٠٠) ألف نسمة. هذا وقد كان ضحايا هذا الطاعون الوبيل تبلغ الملايين في البلاد الأسيوية ، وخاصة الكبيرة منها مثل الهند والصين.