الأمور ، فقد أصبح من أسلوب الباشوات أن تهمل حتى أبسط أوامر السلطان وأسهلها تقبلا وأن تعامل بمقت وازدراء على الرغم من مظاهر الاحترام التي تقابل بها. ومع هذا فقد كانت العادة أن يحافظ الجميع على المظاهر ، لأنه كان لا يزال هناك في أنحاء الامبراطورية كلها شعور مستديم بتوقير اسم السلطان وسلطته ، حينما يذكر على الملأ ، بحيث يندر أن يجرؤ أي رئيس أو باشا مهما كان قويا على انتهاك حرمته. وعلى هذا فحينما كان يعلم أن قبوچيا (١) أو رسولا قد توجه لأداء إحدى المهمات تتخذ الإجراءات لاستقباله تبعا لطبيعة مهمته التي يخبر الباشا بالغرض منها قبل أن يصل الوفد بمدة طويلة ، من قبل صديق أجير موجود في الباب العالي عادة. وحينما تكون المهمة في صالحه يكون استقبال الرسول وديا مفعما بالتكريم ، أما إذا كان الأمر على العكس من ذلك فتتخذ التدابير عادة لتأخير وصوله حتى تسنح الفرصة المناسبة لتنحيته عن مهمته ـ فيدبر أمر وقوع حادث عرضي له في الغالب ، ولا يعد هذا شيئا صعبا في بلاد تكثر فيها العصابات والعشائر السلابة.
وإذ يكون القبوچيون أنفسهم على علم تام بالخطر الذي يتعرضون له من جراء مهماتهم ، يعمدون إلى اتخاذ الاستعدادات الخاصة بهم فينشأ عن ذلك كله عرض منتظم للمناورات التي تصدر من الطرفين. فيحاول الباشا تحاشي النزال والتصادم ، بينما يبذل القبوچي كل جهد للوصول إلى مجلس الباشا. لأنه ما إن يكون هناك حتى يكون الاحترام لفرمان السلطان ، الذي لا يزال التمسك به قويّا كما ذكرت من قبل ، ويستطيع تقديم أوراق اعتماده إلى الباشا حتى إذا كان محاطا بحرسه ، فإن الحرس أنفسهم سيساعدونه على تنفيذ ما جاء من أجله. لكن هذه المحاولة تكون محفوفة بالخطر لأن الفشل فيها يؤدي في الغالب إلى هلاك القپوچي الذي يعد بناء على هذا نوعين من الفرامين عادة. فإذا وجد الباشا قويا بحيث يصعب تحديه ، وخطره عظيما بمقتضى ذلك ،
__________________
(١) القبوجي كلمة تركية تعني «البواب» بالعربية ، أما في العرف الاصطلاحي لذلك الزمان فقد كان يراد بها حاجب السلطان أو رسوله الذي يوفده في مهمات رسمية.