كل ما كان عنده من رفق فحمل داود معه بلا شك مقدارا غير يسير من ثروته التي كان من الممكن لعلي أن يستولي عليها لنفسه باتباع طريقة أخرى. على أنها كانت شيئا قليلا من الناحية النسيبة ، وربما كانت تضحية سياسية منه. فإن اللعبة التي كان عليه أن يلعبها يومذاك كانت تنطوي بالتأكيد على المصالحة والتساهل ـ لأن المصادرات التي أجراها من بعد ذلك كانت تكفي لتعويضه عما فاته في هذا الشأن.
ولما تربع على دست الحكم بهذه الطريقة اتخذ علي لنفسه أسلوب المصالحة والتوفيق كما قلت ، لكن غرضه الأول كان ينطوي على تنحية جميع المعروفين من أنصار الباشا الأخير عن الميدان. فالتجأ في تنفيذ ذلك من دون تورع إلى الطريقة الشرقية الاعتيادية ، وهي طريقة الغدر (١) والاغتيال الناجحة باستمرار على ما فيها من اختلاف وتفاوت في الشكل والتطبيق ، وبرغم كل الخبرة التي تنطوي عليها والحسد الذي تثيره الاستعانة بها. وكان عدد من الگرج ، الذين ظلوا على قيد الحياة وعملوا في قوة الحرس ، أو كانوا ضباطا وموظفين في معية داود باشا ، قد توقعوا هبوب العاصفة التي استهدفت رفاقهم بعد ذلك ففروا هاربين من المدينة. لكن عددا يناهز الثمانية عشر أو العشرين منهم ظل مقيما في مكانه ، ومن جملتهم صالح بك الطامع الأخير بالباشوية. فدعي هؤلاء في يوم من الأيام معا بحجة الاستماع لقراءة الفرمان الصادر بإعفائهم الذي وصل مؤخرا من استانبول على ما قيل. وقد حضر كلهم تقريبا إلى ديوان الباشا ، ما عدا صالح بك نفسه الذي كان إما مريضا أو مرتابا من الدعوة فابتعد عن الحضور. فقوبلوا بأقصى ما يمكن من المجاملة ، وتناولوا
__________________
(١) لم تكن خطة القضاء على المماليك في بغداد من بنات أفكار علي رضا ، وإنما كانت خطة رسمية أمرته بتنفيذها المراجع المختصة في الباب العالي لأن الدولة العثمانية كانت قد ضاقت ذرعا بهم وأرادت أن تضع حدا لاستقلالهم عنها. ويقول لونكريك في هذا الشأن «.. ومن بعد ذلك قرئت الأوامر الرسمية الصادرة من استانبول التي تسوغ هذه الأعمال الوحشية مع ما كان فيها من حكمة ، وطلب كل مملوك داخل المدينة وخارجها».