فقد كنت ذكرت عند وصولي إلى المدينة لأول مرة أني علمت بأن قبيلة من القبائل العربية المعادية كانت تخيم بالقرب منها. على أنني لم أكن أعرف يومذاك كم كنا قريبين من مشاهدة موقعة تحتدم بين الأعراب أنفسهم. فإن فتح سياسة علي باشا ، المبنية مثل سياسة أسلافه والكثيرين من الحكام في الشرق والغرب على قاعدة «فرق تسد» الخطرة على الدوام ، قد انهارت في هذه الحالة وتركته في وضع حرج جدا. فقد كان يفعل كما أسلافه ، الذين كان البعض منهم على جانب من القوة بحيث يستطيع أن يسيطر جماعيا على القبائل العربية العديدة المحيطة به ، أن يزرعوا بذور الشقاق بينها ، ويحركوا قبيلة على أخرى حينما كانت تهددهم إحداها أو تضغط بشدة عليهم. وهذه في رأيي سياسة خطرة ما لم تساندها قوة تكفي في الوقت الحرج لجعل السياسي المهيمن في معزل عن الحوادث الفجائية المؤسفة ومسيطرا عليها. وإذا لم تكن في يده قوة فإنه من المحتمل جدا أن يأخذ كل فريق بالاعتداء والتجاوز على غيره ، كما هي الحالة في وضع علي باشا اليوم ، ويلعب دور الصديق والعدو بصورة دورية حتى ينقلب من كونه خادما وحليفا إلى سيد مسيطر.
إذ كانت قبيلة الجربا (١) قد جيء بها إلى القسم الشمالي من الباشوية
__________________
(١) يلاحظ في هذه الرحلة أن صاحبها يكرر كلمة جربا ليعني بها عشيرة شمر بصورة عامة. وتعد شمر من أكبر عشائر العرب على الإطلاق ، وكان موطنها الأصلي في نجد بين جبلي أجأ وسلمى ثم هاجر قسم منها إلى العراق. وهنا سكن بعضهم في الجنوب (في لواءي الكوت وديالى غالبا) وهم شمر طوقة ، وسكن القسم الآخر وهو الأكبر في ديرة واسعة تمتد من شمالي بغداد إلى منطقة جبل سنجار حيث يوجد القسم الأعظم منهم في الوقت الحاضر. وقد كانت ولا تزال الرئاسة في هذه القبائل إلى آل محمد ، أو الجربا ، ولذلك غلب هذا الاسم عليهم في بعض الأدوار ومنها الدور الذي وصل به صاحب هذه الرحلة إلى بغداد على ما يبدو من تسميته. وقد جاء في الجزء الأول من (عشائر العراق) «أن هذه التسمية قديمة ترجع إلى أميرهم الأول الذي يدعون به فيقال (آل محمد) ، والجرباء هذه أم سالم بنت محمد المذكور ..» ثم ورد فيه قول المؤلف «والجرباء نبز وصل إليهم من أمهم والعرب لا يزالون يتنابزون بأمثال هذه ، يقال إنها أصابها مرض جلدي فتركها أهلها ورحلوا إلى ـ