لتساعد الباشا الأخير على طرد عشيرة أخرى من عشائر اللصوص وقطاع الطرق. وكانت الخدمات التي قدمها الشيخ صفوگ لعلي باشا قد أهّلته ، على ما يرى هو ، لأن يحظى بالمزيد من التسامح والامتيازات. لكن عليا كان يفكر تفكيرا يختلف عما كان يفكر به رفيقه السابق في هذا الشأن ، فرفض مطاليب صفوگ وهدده بالسخط عليه. وعلى أثر ذلك تراجع أولا إلى القسم الشمالي من بلاد ما بين النهرين ، وأخذ يقطع الطرق وينهب القوافل ويسلب السياح والمسافرين. ولأجل أن يعرض على سيده السابق نموذجا من قوته وسطوته ، جاء بعد ذلك بقبيلته كلها وأحدق ببغداد نفسها (١).
فظلت المدينة محاصرة ثلاثة أشهر ، وصارت القرى المجاورة تنهب متى شاء وأراد هذا اللص الجلد ، من دون أن تبدر أية معارضة له من جانب الباشا ـ والحقيقة أن الباشا لم يكن يملك الوسائل اللازمة لذلك. وفي نهاية تلك المدة قوّض الأعراب خيامهم على حين غرة واختفوا عن الأنظار ، وليس بوسع أحد أن يعلم ما إذا كان السبب في ذلك تناقص العلف وقلة السلب المتيسر ، أم ظهور عوامل أخرى في الأفق. وبذلك وجدت بغداد نفسها في صباح يوم من أيامها الجميلة متحررة من زوارها المزعجين. وتراجع صفوگ إلى منازله في شمال العراق. لكنه وعد بأن يعيد الزيارة في السنة التالية ، فأخاف الباشا بهذا التهديد بحيث إنه بعث يطلب مساعدة عنزة. وهذه عشيرة
__________________
ـ موطن آخر ثم تعافت فلزمها هذا الاسم ...» وقبيلة أمهم على ما هو معروف محفوظة فهي من الفضول من طي (من بني لام). وتتألف أسرة الشيوخ من خسمة عشر ابنا من أبناء فرحان باشا الذي توفي في أواخر القرن الماضي (التاسع عشر). وتنحصر الرئاسة الآن في أبناء عجيل الياور وهو ابن عبد العزيز من أبناء فرحان المذكور.
(١) كان المعروف يومذاك ـ على ما يذكر بعض المؤرخين ـ أن صفوقا اختلف مع علي رضا باشا فاستغل هذه الفرصة يحيى باشا الجليلي والي الموصل وحركه ضد الباشا في بغداد. وقد ثبت ذلك حينما وجد بين الأسلاب التي تركها صفوك ، بعد أن دحره جند الباشا بالقرب من الكاظمية ، كتاب خاص موجه من يحيى باشا إليه ينطوي على العلاقة التي كانت تربط بينهما.