وفوائده اتخذوا الإجراء الذي ذكرته في الرسالة السابقة ، وهو التصدي لقافلة كان مسؤولا عن توصيلها هو والاشتراط على الپاشا بإعادة إشرافهم على توصيل القوافل وحراستها ـ جريا على القاعدة القديمة ، على ما أحسب ، وهي «كلف اللص بالقبض على اللص». أما زبيد فهم عشيرة عربية تملك قسما من البلاد الكائنة في أسفل الطريق الذاهب إلى الحلة. وقد كانوا في يوم من الأيام أقوياء الشكيمة لكنهم أخذوا بالانحطاط والتأخر في الوقت الحاضر لمختلف الأسباب. ولما كان كلا هذين الشيخين من خصوم العقيل فقد لبيا عن طيب خاطر نداء الپاشا الذي صدر إليهما جريا على السياسة التي يتبعها في مثل هذه الظروف عادة ـ والآن بعد أن انتفت الحاجة إلى خدماتهما فإن الجميع باتوا ينتظرون نتيجة التدبير الذي سيتخذه في هذا الشأن.
وقد عبرنا النهر قبل الظهر لنشاهد المنظر الذي خلفه النزاع الأخير. فكانت التأثيرات لأول وهلة أقل ألفاتا للنظر مما كنت أتوقعه ، لأن القسم الغربي من المدينة (الكرخ) كان في الحقيقة قذرا خربا بحيث يندر أن يوجد شيء يمكن أن يجعله على أسوأ مما هو عليه. لكنك حينما تأتي إلى الأسواق والأزقة ـ المناطق المأهولة ـ تجد فيها العبث والضرر الذي حصل في الحقيقة. فقد كسرت كل باب من الأبواب وفتحت ، وخلعت بصورة عامة عن مصاريعها. وكان يجلس على الكثير من هذه الأبواب قليل من العجائز اللواتي كن يضربن على صدورهن وهن ينظرن إلى بيوتهن المنهوبة ـ التي كان منظرها المظلم الخاوي ، يعلم الله ، باعثا على ما يكفي من الانقباض في النفس. كما كان الرجال الذين ظلوا يحومون حول بيوتهم يجلسون على جانبي الطريق من دون حركة وهم يحدقون فيها بفتور وهمة خائرة. وكانت بعض المقاهي ، التي أفرغت مما كان فيها ، يشغلها أناس تمكنت من الحكم عليهم من مظهرهم بأنهم تجار وأصحاب دكاكاين خسروا جميع ما كانوا يملكون. وكانت البغال والحمير المحملة لا تزال تمر في الشوارع ، يسوقها الهايتة في الغالب ، كما كانت الشوارع والأزقة نفسها ملأى بالأثاث المتكسر ، وريش المخاد والوسائد التي انتزعت أوجهها المطرزة ، وبقطن وصوف الحشايا التي يصعب حملها ، وبمقادير غير يسيرة من الحبوب والمؤونة التي رميت في عرض الطريق.