وفي مقابل هذا التفسير الديني لواقع الكون والحياة الإنسانية تفسير المادّي القائل بأنّ المادّة الأولى قديمة بالذات وهي الّتي قامت فأعطت لنفسها نظماً ، وانّه لا غاية لها ولا للإنسان القاطن فيها وراء هذه الحياة الماديّة ، وهذا التفسير يقود الإنسان إلى الجهل والخرافة ، إذ كيف يمكن للمادّة أن تمنح نفسها نظماً؟! وهل يمكن أن تتّحد العلّة والمعلول ، والفاعل والمفعول ، والجاعل والمجعول؟
ومن هنا يتبيّن أنّ التكامل الفكري إنّما يتحقّق في ظلّ الدين ، لأنّه يكشف آفاقاً وسيعة أمام عقله وتفكّره.
وأمّا في المجال الثاني : فإنّ العقائد الدينية تُعدّ رصيداً للُاصول الاخلاقية ، إذ التقيّد بالقيم ورعايتها لا ينفكّ عن مصائب وآلام يصعب على الإنسان تحمّلها إلّا بعامل روحي يسهِّلها ويزيل صعوبتها له ، وهذا كالتضحية في سبيل الحق والعدل ، ورعاية الأمانة ومساعدة المستضعفين ، فهذه بعض الأُصول الأخلاقية الّتي لا تنكر صحّتها ، غير أن تجسيدها في المجتمع يستتبع آلاماً وصعوبات ، والاعتقاد بالله سبحانه وما في العمل بها من الأجر والثواب خير عامل لتشويق الإنسان على اجرائها وتحمّل المصائب والآلام.
وأمّا في المجال الثالث : فإنّ الدين يعتبر البشر كلّهم مخلوقين لمبدإ واحد ، فالكلّ بالنسبة إليه حسب الذات والجوهر كأسنان المشط ، ولا يرى أيّ معنى للمميّزات القوميّة والتفاريق الظاهرية. هذا من جانب ، ومن جانب آخر فإنّ العقيدة الدينية تساند الأُصول الاجتماعية ، لأنّها تصبح عند الإنسان