فيستقلّ العقل بحسنه ووجوب فعله ، أو قبحه ووجوب تركه وهذا كما إذا لاحظ العقل جزاء الإحسان بالإحسان ، فيحكم بحسنه وجزاء الإحسان بالإساءة فيحكم بقبحه ، فالعقل في حكمه هذا لا يلاحظ سوى أنّ بعض الأفعال كمال للموجود الحيّ المختار وبعضها الآخر نقص له ، فيحكم بحسن الأوّل وقبح الثاني.
لا نزاع في الحسن والقبح بالملاك الأوّل والثالث ، وهو واضح ، وكذلك في الحسن والقبح بملاك الغرض والمصلحة الشخصيين ، وأمّا الغرض والمصلحة النوعيان فإنّ كثيراً من الباحثين عن التحسين والتقبيح العقليين يعلّلون حسن العدل والإحسان ، وقبح الظلم والعدوان ، باشتمال الأوّل على مصلحة عامّة والثاني على مفسدة كذلك. وهذا الملاك في الحقيقة من مصاديق الملاك الرابع كما لا يخفى. إذ ربما يكون مدح الفاعل على فعل وذمّه على فعل لغاية المصالح والمفاسد النوعية. والإتيان بالفعل وتركه بهذه الغاية يعدّ كمالاً ونقصاناً للفاعل. وهذا المعنى الأخير هو محلّ النزاع بين المثبتين والنافين.
أ. دلائل المثبتين : استدلّ القائلون بالتحسين والتقبيح العقليين بوجوه عديدة نكتفى بذكر وجهين منها :