فالأوّليات متقدمة على المشاهدات وهي على الفطريات وهكذا ، فوجود التفاوت بين البديهيات لا ينافي بداهتها ، وإليه أشار المحقق الطوسي بقوله :
«ويجوز التفاوت في العلوم لتفاوت التصور». (١)
وثانياً : نفي كون الحكم بحسن فعل أو قبحه بديهيّاً لا يدلّ على نفي كونه عقلياً ، فانّ نفي الأخصّ لا يدلّ على نفي الأعم ، فمن الجائز أن يكون العقل مستقلّاً بحسن فعل أو قبحه لكن بالتأمل والنظر ، فعلى فرض قبول ما ادّعى من التفاوت لا يجدي المنكر شيئاً.
الدليل الثاني : لو كان الحسن والقبح عقليين لما اختلفا ، أي لما حسن القبيح ولما قبح الحسن ، والتالي باطل ، فإنّ الكذب قد يحسن والصدق قد يقبح ، وذلك فيما إذا تضمّن الكذب إنقاذ نبيّ من الهلاك والصدق إهلاكه.
فلو كان الكذب قبيحاً لذاته لما كان واجباً ولا حسناً عند ما استفيد به عصمة دم نبيّ عن ظالم يقصد قتله. (٢)
والجواب عنه : أنّ كلاً من الكذب في الصورة الأُولى والصدق في الصورة الثانية على حكمه من القبح والحسن ، إلّا أنّ ترك إنقاذ النبيّ أقبح من الكذب ، وإنقاذه أحسن من الصدق ، فيحكم العقل بترك الصدق وارتكاب الكذب قضاءً لتقديم الأرجح على الراجح ، فإنّ تقديم الراجح على الأرجح قبيح عند العقل.
__________________
(١) كشف المراد : ٢٣٦.
(٢) شرح التجريد للقوشجي : ٣٣٩.