إنّ العقل يدعو الإنسان العاقل ويحفزه إلى التفكر والبحث عن وجود الله تعالى. وذلك لأنّ هناك مجموعة كبيرة من رجالات الإصلاح والأخلاق الديني فدوا انفسهم في طريق إصلاح المجتمع وتهذيبه وتوالوا على مدى القرون والأعصار ، ودعوا المجتمعات البشرية إلى الاعتقاد بالله سبحانه وصفاته الكمالية ، وادّعوا أنّ له تكاليف على عباده ووظائف وضعها عليهم ، وأنّ الحياة لا تنقطع بالموت ، وإنّما ينقل الإنسان من دار إلى دار ، وأنّ من قام بتكاليفه فله الجزاء الأوفى ، ومن خالف واستكبر فله النكاية الكبرى.
هذا ما سمعته آذان أهل الدنيا من رجالات الوحي والاصلاح ، ولم يكن هؤلاء متَّهمين بالكذب والاختلاق ، بل كانت علائم الصدق لائحة من خلال حياتهم وأفعالهم وأذكارهم ، عند ذلك يدفع العقل الإنسان المفكّر إلى البحث عن صحّة مقالتهم دفعاً للضرر المحتمل أو المظنون الّذي يورثه أمثال هؤلاء.
إنّ هاهنا وجهاً آخر لوجوب البحث عن وجود الله تعالى. وهو أنّ الإنسان في حياته غارق في النعم ، وهذا ممّا لا يمكن لأحد إنكاره ، ومن جانب آخر أنّ العقل يستقلّ بلزوم شكر المنعم ، ولا يتحقّق الشكر إلّا بمعرفته. (١)
__________________
(١) إن كان شكر المنعم لازماً فتجب معرفته ، لكنّ المقدّم حقّ ، فالتالي كذلك. أمّا حقّيّة المقدّم فلأنّه من البديهيات العقلية. وأمّا الملازمة فلأنّه أداء للشكر ، والإتيان به موقوف على معرفة المنعم وهو واضح.