مع هذه البراهين المشرقة نرى أنّ الأشاعرة جوّزوا التكليف بما لا يطاق ، وبذلك أظهروا العقيدة الإسلامية ، عقيدة مخالفة للوجدان والعقل السليم ، ومن المأسوف عليه أنّ المستشرقين أخذوا عقائد الإسلام عن المتكلّمين الأشعريين ، فإذا بهم يصفونها بكونها على خلاف العقل والفطرة لأنّهم يجوّزون التكليف بما لا يطاق.
إنّ الأشاعرة استدلّوا بآيات تخيّلوا دلالتها على ما يرتئونه ، مع أنّها بمنأى عمّا يتبنّونه في المقام ، وأظهر ما استدلوا به آيتان :
الآية الأُولى : قوله تعالى : (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) (١).
وجه الاستدلال : إنّ الآية صريحة على أنّ المفترين على الله سبحانه في الدّنيا ، المنكرين للحقّ لم يكونوا مستطيعين من أن يسمعوا كلام الله ويصغوا إلى دعوة النبيّ إلى الحقّ مع أنّهم كانوا مكلّفين باستماع الحقّ وقبوله ، فكلّفهم الله تعالى بما لا يطيقون عليه.
يلاحظ عليه : أنّ عدم استطاعتهم ليس بمعنى عدم وجودها فيهم ابتداءً ، بل لأنّهم حرّموا أنفسهم من هذه النعم بالذنوب ، فصارت الذنوب سبباً لكونهم غير مستطيعين لسمع الحقّ وقبوله ، وقد تواترت النصوص من
__________________
(١) هود : ٢٠.