قد انطرحت نظرية الكسب في معترك الأبحاث الكلامية قبل ظهور الشيخ الأشعري بأكثر من قرن ، فهذه هي الطائفة الضرارية (١) قالت : «إنّ أفعال العباد مخلوقة لله تعالى حقيقة والعبد مكتسبها» (٢).
وتبعتهم في ذلك الطائفة النجّارية (٣) فعرّفهم الشهرستانى بأنّهم يقولون :
إنّ الباري تعالى هو خالق أعمال العباد خيرها وشرّها ، حسنها وقبيحها ، والعبد مكتسب لها ، ويثبتون تأثيراً للقدرة الحادثة ، ويسمّون ذلك كسباً. (٤)
ومع ذلك فقد اشتهرت نسبة النظريّة إلى الأشاعرة وعدّت من مميّزات منهجهم ، وما ذلك إلّا لأنّ الشيخ الأشعري وتلامذة مدرسته قاموا بتحكيم هذه النظريّة وتبيينها بالأدلّة العقلية والنقلية وقد اختلفت عبارات القوم في تفسيرها ، ومرجعها إلى أمرين :
١. إنّ للقدرة المحدثة (قدرة العبد) نحو تأثير في اكتساب الفعل لكن لا في وجوده وحدوثه بل في العناوين الطارئة عليه.
__________________
(١) هم أصحاب ضرار بن عمرو ، وقد ظهر في أيّام واصل بن عطاء (المتوفّى سنة ١٣١ ه).
(٢) الملل والنحل للشهرستاني : ١ / ٩٠ ـ ٩١.
(٣) هم أصحاب الحسين بن محمد بن عبد الله النجّار ، وله مناظرات مع النّظام ، توفّي عام ٢٣٠ ه.
(٤) الملل والنحل : ١ / ٨٩ ، نقل بالمعنى.