إنّ تعلق قدرته سبحانه بفعل العبد ، تعلّق تأثيري ، وتعلّق قدرة العبد نفسه تعلّق تقارني ، وهذا القدر من التعلّق كاف في إسناد الفعل إليه وكونه كسباً له. (١)
وقد تبعه في ذلك عدّة من مشايخهم المتأخرين كالتفتازاني والجرجاني والقوشجي. (٢)
يلاحظ عليه : أنّ دور العبد في أفعاله على هذا التفسير ليس إلّا دور المقارنة ، فعند حدوث القدرة والإرادة في العبد يقوم سبحانه بخلق الفعل ، ومن المعلوم أنّ تحقق الفعل من الله مقارناً لقدرة العبد ، لا يصحّح نسبة الفعل في تحقّقه إليه ، ومعه كيف يتحمّل مسئوليته ، إذا لم يكن لقدرة العبد تأثير في وقوعه؟
إنّ هناك رجالاً من الأشاعرة أدركوا جفاف النظريّة وعدم كونها طريقاً صحيحاً لحلّ معضلة الجبر ، فنقضوا ما أبرموه وأجهروا بالحقيقة ، نخصّ بالذكر منهم رجالاً ثلاثة :
الأوّل : إمام الحرمين ، فقد اعترف بنظام الأسباب والمسبّبات الكونية أوّلاً ، وانتهائها إلى الله سبحانه وأنّه خالق للأسباب ومسبباتها المستغني على
__________________
(١) لاحظ : الاقتصاد في الاعتقاد : ٤٧.
(٢) لاحظ : شرح العقائد النسفية : ١١٧ ؛ شرح المواقف : ٨ / ١٤٦ وشرح التجريد للقوشجي : ٣٤٥.