الأمر بين الأمرين
قد عرفت أنّ المجبّرة جنحوا إلى الجبر لأجل التحفّظ على التوحيد الأفعالي وحصر الخالقية في الله سبحانه ، كما أنّ المفوّضة انحازوا إلى التفويض لغاية التحفّظ على عدله سبحانه ، وكلا الفريقين غفلا عن نظرية ثالثة يؤيّدها العقل ويدعمها الكتاب والسنّة ، وفيها الحفاظ على كلٍّ من أصلي التوحيد والعدل ، مع نزاهتها عن مضاعفات القولين ، وهذا هو مذهب الأمر بين الأمرين الّذي أبدعته ائمّة اهل البيت عليهمالسلام وهو مختار الحكماء الإسلاميين والإمامية من المتكلّمين ، وتبيين هذه النظريّة رهن المعرفة بأصلين عقليّين برهن عليهما في الفلسفة الأُولى وهما :
إنّ قيام المعلول بالعلّة ليس من قبيل قيام العرض بموضوعه أو الجوهر بمحلّه ، بل قيامه بها يرجع إلى معنى دقيق يشبه قيام المعنى الحرفي بالمعنى الاسمي في المراحل الثلاث : التصوّر ، والدلالة والتحقّق ، فإذا قلت : سرت من البصرة إلى الكوفة ، فهناك معان اسميّة هي السير والبصرة