والكوفة ، ومعنى حرفي وهو كون السير مبدوّاً من البصرة ومنتهياً إلى الكوفة ، فالابتداء والانتهاء المفهومان من كلمتي «من» و «إلى» فاقدان للاستقلال في مجال التصوّر ، فلا يتصوّران مستقلّين ومنفكّين عن تصوّر البصرة والكوفة ، وإلّا لعاد المعنى الحرفي معنى اسمياً ولصار نظير قولنا : «الابتداء خير من الانتهاء».
وكذلك فاقدان للاستقلال في مجال الدلالة فلا يدلّان على شيء إذا انفكّتا عن مدخوليهما ، كما هما فاقدان للاستقلال في مقام التحقّق والوجود ، فليس للابتداء الحرفي وجود مستقل منفكّ عن متعلّقه ، كما ليس للانتهاء الحرفي وجود كذلك.
وعلى ضوء ذلك يتبيّن وزان الوجود الإمكانى الّذي به تتجلّى الأشياء وتتحقّق الماهيات ، فإنّ وزانه إلى الواجب لا يعدو عن وزان المعنى الحرفي إلى الاسمي ، لأنّ توصيف الوجود بالإمكان ليس إلّا بمعنى قيام وجود الممكن وتعلّقه بعلّته الموجبة له ، وليس وصف الإمكان خارجاً عن هويّته وحقيقته ، بل الفقر والربط عين واقعيته ، وإلّا فلو كان في حاق الذات غنيّاً ثمّ عرض له الفقر يلزم الخلف.
قد ثبت في الفلسفة الأُولى أنّ سنخ الوجود الواجب والوجود الممكن واحد يجمعهما قدر مشترك وهو الوجود وطرد العدم وما يفيد ذلك ، وأنّ مفهوم الوجود يطلق عليهما بوضع واحد وبمعنى فارد.