وعلى ضوء هذا الأصل ، إذا كانت الحقيقة في مرتبة من المراتب العالية ذات أثر خاص ، يجب أن يوجد ذلك الأثر في المراتب النازلة ، أخذاً بوحدة الحقيقة ، نعم يكون الأثر من حيث الشدّة والضعف ، تابعاً لمنشئه من هذه الحيثيّة ، فالوجود الواجب بما أنّه أقوى وأشدّ ، يكون العلم والدرك والحياة والتأثير فيه مثله ، والوجود الإمكاني بما أنّ الوجود فيه أضعف يكون أثره مثله.
إذا وقفت على هذين الأصلين تقف على النظريّة الوسطى في المقام وأنّه لا يمكن تصوير فعل العبد مستقلّاً عن الواجب ، غنيّاً عنه ، غير قائم به ، قضاءً للأصل الأوّل ، وبذلك يتّضح بطلان نظرية التفويض ، كما أنّه لا يمكن إنكار دور العبد بل سائر العلل في آثارها قضاءً للأصل الثاني ، وبذلك يتبيّن بطلان نظرية الجبر في الأفعال ونفي التأثير عن القدرة الحادثة.
فالفعل مستند إلى الواجب من جهة ومستند إلى العبد من جهة أخرى ، فليس الفعل فعله سبحانه فقط بحيث يكون منقطعاً عن العبد بتاتاً ، ويكون دوره دور المحل والظرف لظهور الفعل ، كما أنّه ليس فعل العبد فقط حتى يكون منقطعاً عن الواجب ، وفي هذه النظريّة جمال التوحيد الأفعالي منزّهاً عن الجبر كما أنّ فيها محاسن العدل منزّهاً عن مغبّة الشرك والثنويّة.
هذا إجمال النظريّة حسب ما تسوق إليه البراهين الفلسفية ، ولإيضاحها نأتي بمثال وهو أنّه لو فرضنا شخصاً مرتعش اليد فاقد القدرة ،