أو ماهيات مختلفة ، فهناك ترابط وتناسق بين الأجزاء ، أو توازن وانسجام بين الأفراد يؤدّي إلى هدف وغاية مخصوصة ، كالتلاؤم الموجود بين أجزاء الشجر ، وكالتوازن الحاصل بين حياة الشجر والحيوان.
إنّ برهان النظم يقوم على مقدّمتين : إحداهما حسيّة ، والأُخرى عقلية.
أمّا الأُولى : فهي هناك نظاماً سائداً على الظواهر الطبيعية الّتي يعرفها الإنسان إمّا بالمشاهدة الحسّية الظاهرية وإمّا بفضل الأدوات والطرق العلميّة التجريبيّة. وما زالت العلوم الطبيعيّة تكشف مظاهر وأبعاداً جديدة من النظام السائد في عالم الطبيعة ، وهناك آلاف من الرسائل والكتب المؤلّفة حول العلوم الطبيعيّة مليئة بذكر ما للعالم الطبيعي من النظام المعجب. فلا حاجة إلى تطويل الكلام في هذا المجال.
وأما الثانية : فهي أنّ العقل بعد ما لاحظ النظام وما يقوم عليه من المحاسبة والتقدير والتوازن والانسجام ، يحكم بالبداهة بأنّ أمراً هكذا شأنه يمتنع صدوره إلّا عن فاعل قادر عليم ذي إرادة وقصد ، ويستحيل تحقّقها صدفة وتبعا لحركات فوضويّة للمادّة العمياء الصمّاء ، فإنّ تصوّر مفهوم النظم وأنّه ملازم للمحاسبة والعلم يكفي في التصديق بأنّ النظم لا ينفك عن وجود ناظم عالم أوجده ، وهذا على غرار حكم العقل بأنّ كلّ ممكن فله علّة موجدة ، وغير ذلك من البديهيات العقلية.