والمرجّح ليس شيئاً وراء داعي الفاعل وإرادته وليس مستنداً إلّا إلى نفس الإنسان وذاته ، فإنّها المبدأ لظهوره في الضمير ، إنّما الكلام في كونه فعلاً اختيارياً للنفس أو لا؟ فمن جعل الملاك في اختيارية الأفعال كونها مسبوقة بالإرادة وقع في المضيق في جانب الإرادة ، لأنّ كونها مسبوقةً بإرادة أُخرى يستلزم التسلسل في الإرادات غير المتناهية ، وهو محال.
وأمّا على القول المختار ، من أنّ الملاك في اختياريّة الأفعال كونها فعلاً للفاعل الّذي يكون الاختيار عين هويّته وينشأ من صميم ذاته وليس أمراً زائداً على هويّته عارضاً عليها ، فلا إشكال مطلقاً ، وفاعلية الإنسان بالنسبة إلى أفعاله الاختيارية كذلك ، فالله سبحانه خلق النفس الإنسانية مختارةً ، وعلى هذا يستحيل أن يسلب عنها وصف الاختيار ويكون فاعلاً مضطرّاً كالفواعل الطبيعيّة.
قالوا :
«التكليف واقع بمعرفة الله تعالى إجماعاً ، فإن كان التكليف في حال حصول المعرفة فهو تكليف بتحصيل الحاصل ، وهو محال ، وإن كان حال عدمها فغير العارف بالمكلّف وصفاته المحتاج إليه في صحّة التكليف منه ، غافل عن التكليف وتكليف الغافل تكليف بالمحال». (١)
__________________
(١) شرح المواقف : ٨ / ١٥٧.