قد فرغ من الأمر فلا يزيد ولا ينقص ، فقال الله جلّ جلاله تكذيباً لقولهم : (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) ألم تسمع الله عزوجل يقول :
(يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ.) (١)
ومن هنا تعرف أنّ القول بالبداء من صميم الدين ولوازم التوحيد والاعتقاد بعمومية قدرته سبحانه ، وأنّه من مقاديره وسننه السائدة على حياة الإنسان من غير أن يسلب عنه الاختيار في تغيير مصيره ، فكما أنّه سبحانه ، كلّ يوم هو في شأن ، ومشيئته حاكمة على التقدير ، وكذلك العبد مختار له أن يغيِّر مصيره ومقدّره بحسن فعله ، ويخرج نفسه من عداد الأشقياء ويدخلها في عداد السعداء ، كما أنّ له عكس ذلك. فالله سبحانه : (لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) (٢)
فهو تعالى إنّما يغيِّر قدر العبد بتغيير منه بحسن عمله أو سوئه ، ولا يعدّ تغيير التقدير الإلهي بحسن الفعل أو سوئه معارضاً لتقديره الأوّل سبحانه ، بل هو أيضاً جزء من قدره وسننه.
قد أشرنا سابقاً إلى أنّ التغيير إنّما يقع في التقدير الموقوف دون المحتوم ، وهذا ما يحتاج إلى شيء من البيان فنقول :
__________________
(١) التوحيد : الباب ٢٥ ، الحديث ١.
(٢) الرعد : ١١.