وممّا يدلّ على قصور العلم الإنساني عن تشخيص منافع البشر والمجتمعات ومضارّها ، أنّ المجتمع الإنساني ـ مع ما بلغه من الغرور العلمي ـ لم يقف بعدُ على النظام الاقتصادي النافع له ، فطائفة تزعم أنّ سعادة البشر في نظام الرأسمالية والاقتصاد الحرّ المطلق ، والأُخرى تدّعي أنّ سعادة البشر في النظام الاشتراكي وسلب المالكية عن أدوات الانتاج وتفويضها إلى الدولة الحاكمة.
كما أنّه لم يصل بعدُ إلى وفاق في مجال الأخلاق وقد تعدّدت المناهج الأخلاقيّة في العصر الأخير إلى حدّ التضادّ فيها.
وأيضاً نرى أنّ الإنسان ـ مع ما يدّعيه من العلم والمعرفة ـ لم يدرك بعدُ عوامل السّعادة والشّقاء له ، بشهادة أنّه يشرب المسكرات ، ويستعمل المخدّرات ، ويتناول اللحوم الضارّة ، كما يقيم اقتصاده على الرِّبا الّذي هو عامل إيجاد التفاوت الطبقي بين أبناء المجتمع.
وفيما روي عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام إشارات إلى هذا البرهان نأتي بنموذجين منها : قال الإمام الكاظم عليهالسلام :
«يا هشام : ما بعث الله أنبياءه ورسله إلى عباده إلّا ليعقلوا عن الله ، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة ، وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلاً ، وأكملهم عقلاً أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة» (١).
وقال الإمام الرضا عليهالسلام :
__________________
(١) الكافي : ج ١ ، كتاب العقل والجهل ، الحديث ١٢.