أنعم على عباده نعماً توجب الشكر ، فننظر في آيات خلقه بعقولنا ، ونشكره بآلائه علينا ، وإذا عرفناه وشكرنا له ، استوجبنا ثوابه ، وإذا أنكرناه وكفرنا به ، استوجبنا عقابه ، فما بالنا نتّبع بشراً مثلنا؟!
والجواب عنه : أنّ كثيراً من الناس لا يعرفون كيفية الشكر ، فربما يتصوّرون أنّ عبادة المقرَّبين نوع شكر لله سبحانه ، فلأجل ذلك ترى عبدة الأصنام والأوثان يعتقدون أنّ عبادتهم للمخلوق شيء موجب للتقرّب. (١) أضف الى ذلك أنّ تخصيص برامج الأنبياء بالأمر بالشكر والنهي عن كفران النعمة ، غفلة عن أهدافهم السامية ، فإنّهم جاءوا لإسعاد البشر في حياتهم الفردية والاجتماعية ، ولا تختصّ رسالتهم بالأوراد والأذكار الجافّة ، كتلك الّتي يردّدها أصحاب بعض الديانات أيّام السّبت والأحد في البيع والكنائس ، وإنّك لتقف على عظيم أهداف رسالة النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآله إذا وقفت على كلمته المأثورة : «إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة». (٢)
الدليل الثالث : إنّ أكبر الكبائر في الرسالة ، اتّباع رجل هو مثلك في الصورة والنفس والعقل ، يأكل ممّا تأكل ، ويشرب ممّا تشرب ... فأي مزيّة له عليك؟ وأيّ فضيلة أوجبت استخدامك؟ وما دليله على صدق دعواه؟ (٣)
__________________
(١) قال تعالى حكاية عن المشركين : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) (الزمر : ٣).
(٢) تاريخ الطبري : ٢ / ٦٣ ، قاله النبي عند دعوة أقاربه إلى الإسلام.
(٣) للوقوف على مدارك أدلّة البراهمة ، أُنظر : الملل والنحل للشهرستاني : ٢ / ٢٥٠ ـ ٢٥٢ ؛ كشف المراد : ٢١٧ ؛ شرح التجريد للفاضل القوشجي : ٣٥٨.