العالم الطبيعي والتفكر فيه بأنّه مخلوقٌ موجودٍ عالم قادر مختار من دون حاجة إلى مقولة التمثيل ونحوه.
وكون إحدى مقدّمتيه حسّيّة لا يضرّ بكون البرهان عقليّاً ، فإنّ دور الحسّ فيه ينحصر في إثبات الموضوع ، أي إثبات النظم في عالم الكون ، وأمّا الحكم والاستنتاج يرجع إلى العقل ويبتنى على محاسبات عقلية ، وهو نظير ما إذا ثبت بالحس أنّ هاهنا مربّعاً ، فإنّ العقل يحكم من فوره بأنّ أضلاعه الأربعة متساوية في الطول.
فالعقل يرى ملازمة بيّنة بين النظم بمقدّماته الثلاث ، أعني : الترابط والتناسق والهدفيّة ، وبين دخالة الشعور والعقل ، فعند ما يلاحظ ما في جهاز العين مثلا من النظام بمعنى تحقّق أجزاء مختلفة كمّاً وكيفاً ، وتناسقها بشكل يمكنها من التعاون والتفاعل فيما بينها ويتحقّق الهدف الخاص منه ، يحكم بأنّها من فعل خالق عظيم ، لاحتياجه إلى دخالة شعور وعقل وهدفيّة وقصد.
الإشكال الثاني
إنّ هناك في عالم الطبيعة ظواهر وحوادث غير متوازنة خارجة عن النظام وهي لا تتّفق مع النظام المدّعى ولا مع الحكمة الّتي يوصف بها خالق الكون ، كالزلازل والطوفانات.
والجواب عنه : أنّ ما تعدّ من الحوادث الكونيّة شروراً كالزلازل والطوفانات لها نظام خاصّ في صفحة الكون ، ناشئة عن علل وأسباب معيّنة