إن هناك أُموراً تعدّ مضادّة للعقل ، كاجتماع النقيضين وارتفاعهما ، ووجود المعلول بلا علّة ونحو ذلك ، وأُموراً أُخرى تخالف القواعد العادية ، بمعنى أنّها تعدّ محالات حسب الأدوات والأجهزة العادية ، والمجاري الطبيعية ، ولكنّها ليست مستحيلة عقلاً لو كان هناك أدوات أُخرى خارجة عن نطاق العادة ، وهي المسمّاة بالمعاجز ، وذلك كحركة جسم كبير من مكان إلى مكان آخر بعيد عنه ، في فترة زمانية لا تزيد على طرفة العين بلا تلك الوسائط العادية ، فإنّه غير ممتنع عقلاً ولكنّه محال عادة ، ومن هذا القبيل ما يحكيه القرآن من قيام من أوتي علماً من الكتاب بإحضار عرش بلقيس ملكة سبأ ، من بلاد اليمن إلى بلاد الشام في طرفة عين بلا توسط شيء من تلك الأجهزة المادّية المتعارفة. (١) فتحصّل أنّ المعجزة أمر خارق للعادة لا مضادّ للعقل.
ثمّ إنّ الإتيان بما هو خارق للعادة لا يسمّى معجزة إلّا إذا كان مقترناً بدعوى النبوّة ، وإذا تجرّد عنها وصدر من بعض أولياء الله تعالى يسمّى «كرامة» وذلك كحضور الرزق لمريم عليهاالسلام بلا سعي طبيعي. (٢) ولأجل ذلك كان الأُولى أن يضيفوا إلى التعريف قيد : «مع دعوى النبوّة». (٣)
__________________
(١) لاحظ : النمل : ٤٠.
(٢) لاحظ : آل عمران : ٣٧.
(٣) لا تختصّ المعجزة بدعوى النبوّة ، بل يعمّها ودعوى الإمامة وغيرها من الدعاوى الإلهية ، كدعوى المسلم أنّ شريعة الإسلام هي الحق دون غيرها من الشرائع ، ويقوم بالمباهلة ، فذلك معجزة البتة ، فالصحيح في تعريف المعجزة أن يقال : «هو الفعل الخارق للعادة الّذي يأتي به من يدّعي منصباً أو مقاما إلهياً شاهداً على صدق دعواه» ؛ راجع : البيان في تفسير القرآن : ٣٣.