العقل ولا الغريزة ، وإنّما هو شعور خاص يوجده الله سبحانه في الأنبياء لا يغلط معه النبيّ في إدراكه ولا يشتبه ولا يختلجه شكّ ولا يعترضه ريب في أنّ الّذي يوحي إليه هو الله سبحانه ، من غير أن يحتاج إلى إعمال نظر أو التماس دليل ، أو إقامة حجّة. قال سبحانه : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ) (١) فهذه الآية تشير إلى أنّ الّذي يتلقّى الوحي من الروح الأمين هو نفس النبيّ الشريفة ، من غير مشاركة الحواس الظاهرة الّتي هي الأدوات المستعملة في إدراك الأُمور الجزئية.
وعلى هذا ، فالوحي حصيلة الاتّصال بعالم الغيب ، ولا يصحّ تحليله بأدوات المعرفة المعتادة ولا بالأُصول الّتي تجهّز بها العلم الحديث.
ومن لم يذعن بعالم الغيب يشكل عليه الإذعان بهذا الإدراك الّذي لا صلة له بعالم المادّة وأصوله.
قد فسّر بعض المتجددين النبوّة بالنبوغ والوحي بلمعات ذاك النبوغ. وحاصل مذهبهم : أنّه يتميّز بين أفراد الإنسان المتحضّر ، أشخاص يملكون فطرة سليمة وعقولاً مشرقة تهديهم إلى ما فيه صلاح الاجتماع وسعادة الإنسان ، فيضعون قوانين فيها مصلحة المجتمع وعمران الدنيا ، والإنسان الصالح الّذي يتميّز بهذا النوع من النبوغ هو النبيّ ، والفكر الصالح المترشّح من مكامن عقله وومضات نبوغه هو الوحي ، والقوانين الّتي يسنّها لصلاح
__________________
(١) الشعراء : ١٩٣ ـ ١٩٤.