تتحكّم عليها محاسبات ومعادلات خاصّة وقد وفّق الإنسان إلى اكتشاف بعضها وإن بقي بعض آخر منها مجهولاً له بعد. (١)
وأمّا أنّها ملائمة لمصالح الإنسان أو غير ملائمة له ، فلا صلة له ببرهان النظم الّذي بصدد إثبات أنّ هناك مبدئاً وفاعلاً لعالم الطبيعة ذا علم وقدرة وإرادة ، وسيجيء البحث عنها في الفصول القادمة فانتظره.
الإشكال الثالث
ما ذا يمنع من أن نعتقد بأنّ النظام السائد في عالم الطبيعة حاصل من قبل عامل كامن في نفس الطبيعة ، أي أنّ النظام يكون ذاتيّاً للمادّة؟ إذ لكلّ مادّة خاصيّة معيّنة لا تنفكّ عنها ، وهذه الخواصّ هي الّتي جعلت الكون على ما هو عليه الآن من النظام.
والجواب عنه : أنّ غاية ما تعطيه خاصيّة المادّة هي أن تبلغ بنفسها فقط إلى مرحلة معيّنة من التكامل الخاصّ والنظام المعيّن ـ على فرض صحّة هذا القول ـ لا أن تتحسّب للمستقبل وتتهيّأ للحاجات الطارئة ، ولا أن تقيم حالة عجيبة ورائعة من التناسق والانسجام بينها وبين الأشياء
__________________
(١) فإن قلت : كون الشرور الطبيعية تابعاً لقوانين كونية وناشئاً عن أسباب طبيعية خاصّة راجع إلى النظم العلي ، والنظم المقصود في برهان النظم هو النظم الغائي ، والشرور توجب اختلال النظم بهذا المعنى.
قلت : حقيقة النظم الغائي هي أنّ هناك تلاؤماً وانسجاماً سائداً في الأشياء تتّجه إلى غاية مخصوصة وكمال مناسب لها ، وإن كان قد يتخلّف بعروض مانع عن الوصول إلى الغاية كما في فرض الشرور.