الاجتماع هو الدّين ، والروح الأمين هو نفسه الطاهرة الّتي تفيض هذه الأفكار إلى مراكز إدراكه ، والكتاب السّماوي هو كتابه الّذي يتضمّن سننه وقوانينه.
يلاحظ عليه أوّلاً : لو صحّت هذه النظريّة لم يبق من الاعتقاد بالغيب إلّا الإعتقاد بوجود الخالق البارئ ، أمّا ما سوى ذلك فكلّه نتاج الفكر الإنساني الخاطئ ، وهذا في الواقع نوع إنكار للدين.
وثانياً : أنّ قسماً ممّا يقع به الوحي الإنباء عن الحوادث المستقبلة ، إنباءً لا يخطئ تحقّقه أبداً ، مع أنّ النوابغ وإن سموا في الذكاء والفطنة لا يخبرون عن الحوادث المستقبلة إلّا مع الاحتياط والتردّد ، لا بالقطع واليقين ، وعلى فرض إخبارهم كذلك لا يكون مصوناً عن الخطأ والكذب.
وثالثاً : أنّ حملة الوحي ومدّعي النبوّة ـ من أوّلهم إلى آخرهم ـ إنّما ينسبون تعاليمهم وسننهم إلى الله سبحانه ولا يدّعون لأنفسهم شيئاً ، ولا يشكّ أحد في أنّ الأنبياء عباد صالحون ، صادقون لا يكذبون ، فلو كانت السّنن الّتي أتوا بها من وحي أفكارهم ، فلما ذا يغرّون المجتمع بنسبتها إلى الله تعالى؟
زعم بعض المستشرقين (١) أنّ الوحي إلهام يفيض من نفس النبيّ لا
__________________
(١) هذه النظريّة مأثورة عن المستشرق «مونتيه» وفصّلها «إميل درمنغام» ، لاحظ : «الوحي المحمدي» ، السيد محمّد رشيد رضا ، ص ٦٦.