من الخارج ، وذاك أنّ منازع نفسه العالية ، وسريرته الطاهرة ، وقوّة إيمانه بالله وبوجوب عبادته ، وترك ما سواها من عبادة وثنية وتقاليد وراثية رديئة يكون لها من التأثير ما يتجلّى في ذهنه ، ويحدث في عقله الباطن الرؤى والأحوال الروحية فيتصوّر ما يعتقد وجوبه ، إرشاداً إلهياً نازلاً عليه من السّماء بدون وساطة ، أو يتمثّل له رجل يلقّنه ذلك ، يعتقد أنّه ملك من عالم الغيب ، وقد يسمعه يقول ذلك ولكنّه إنّما يرى ويسمع ما يعتقده في اليقظة كما يرى ويسمع مثل ذلك في المنام الّذي هو مظهر من مظاهر الوحي عند جميع الأنبياء.
يقول أصحاب هذه النظريّة : لا نشكّ في صدق الأنبياء في إخبارهم عمّا رأوا وسمعوا ، وإنّما نقول : إنّ منبع ذلك من نفسه وليس فيه شيء جاء من عالم الغيب الّذي يقال إنّه وراء عالم المادّة والطبيعة.
هذه النظريّة الّتي جاء بها بعض الغربيين وإن كانت تنطلي على السّذّج من الناس وتأخذ بينهم رونقاً إلّا أنّ رجال التحقيق يدركون تماماً أنّها ليست بشيء جديد قابل للذكر ، وإنّما هي تكرار لمقالات العرب الجاهليين في النبوّة والوحي ، فمن جملة افتراءاتهم على النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآله ، وصم شريعته بأنّها نتاج الأحلام العذبة الّتي كانت تراود خاطره ، ثمّ تتجلّى على لسانه وبصره ، قال تعالى : (بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ) (١).
__________________
(١) الأنبياء : ٥.