المتكلّمين فالمشهور عند العدلية أنّها لطف من الله لا داعي معه إلى ترك الطاعة ولا إلى ارتكاب المعصية مع القدرة عليهما (١) وعند الأشاعرة «أن لا يخلق الله فيهم ذنباً». (٢) وقال المحقّق الجرجاني : «العصمة ملكة اجتناب المعاصى مع التمكن منها». (٣)
أقول : ما ذكره الشريف هو الصحيح وما ذكره المشهور سبب إلهيّ لتحقّق العصمة ، فالحقّ أنّ العصمة ملكة نفسانية راسخة في النفس ، تمنع الإنسان عن المعصية مطلقاً ، فهي من سنخ التقوى لكنّها درجة قصوى منها ، فالتقوى في العاديين من الناس ، كيفية نفسانية تعصم صاحبها عن اقتراف كثير من القبائح والمعاصي ، فهي إذا ترقّت في مدارجها وعلت في مراتبها ، تبلغ بصاحبها درجة العصمة الكاملة والامتناع المطلق عن ارتكاب أيّ قبيح من الأعمال ، بل يمنعه حتى التفكير في خلاف أو معصية (٤).
ذهب جمهور المتكلّمين من السنّة والشيعة إلى عصمة الأنبياء في تلقّي الوحي وإبلاغه. والعصمة في هذه المرحلة على وجهين : أحدهما : العصمة عن الكذب ، والثاني : العصمة عن الخطأ سهواً في تلقّي الوحي
__________________
(١) شرح المقاصد : ٤ / ٣١٢ ؛ ارشاد الطالبين : ١٣٠.
(٢) شرح المواقف : ٨ / ٢٨٠.
(٣) التعريفات : ٦٥.
(٤) التعاريف المذكورة للعصمة غير شاملة للعصمة عن السّهو والجهل ، وإن شئت قلت العصمة العلميّة ، وحقيقتها ترجع الى معرفة كاملة وجامعة بالمعارف والأحكام الإلهية وما يتعلّق بشئون هداية العباد في مصالحهم الدينية والدنيوية.