ووعيه وأدائه ، وما سيجيء من الدليل الأوّل على إثبات العصمة عن المعصية ، يثبت عصمتهم في هذا المجال أيضاً ، فإنّ الوثوق التام بالأنبياء لا يحصل إلّا بالإذعان البات بمصونيتهم عن الخطأ في تلقّي الوحي وتحمّله وأدائه ، عمداً وسهواً.
أضف إلى ذلك أنّ تجويز الخطأ في التبليغ ولو سهواً ينافي الغرض من الرسالة ، أعني : إبلاغ أحكام الله تعالى إلى الناس.
ويدلّ على عصمة الأنبياء في هذا المجال قوله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً* لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) (١).
إنّ الآيات تصف طريق بلوغ الوحي إلى الرسل ، ومنهم إلى الناس بأنّه محروس بالحفظة يمنعون تطرّق أيّ خلل وانحراف فيه ، حتى يبلغ الناس كما أُنزل من الله تعالى ، ويعلم هذا بوضوح ممّا تذكره الآية من أن الله سبحانه يجعل بين الرسول ومن أرسل إليهم (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) وبينه ومصدر الوحي (وَمِنْ خَلْفِهِ) رصداً مراقبين هم الملائكة.
إنّ الأدلّة العقليّة على وجوب عصمة الأنبياء كثيرة نكتفي بتقرير دليلين منها :
__________________
(١) الجن : ٢٦ ـ ٢٨.