إنّا نعلم أنّ من نجوّز عليه الكفر والكبائر في حال من الأحوال ، وإن تاب منهما ... لا نسكن إلى قبول قوله كسكوننا إلى من لا نجوّز عليه ذلك في حال من الأحوال ولا على وجه من الوجوه ... فليس إذاً تجويز الكبائر قبل النبوّة منخفضاً عن تجويزها في حال النبوّة وناقصاً عن رتبته في باب التنفير. (١)
إنّ الهدف العامّ الّذي بعث لأجله الأنبياء هو تزكية الناس وتربيتهم ، ولا شكّ أنّ تأثير التربية بالعمل أشدّ وأعمق وآكد منها عن طريق الوعظ والإرشاد ، وذلك أنّ التطابق بين مرحلتي القول والعمل هو العامل الرئيسي في إذعان الآخرين بأحقّيّة تعاليم المصلح والمربّي ، وهذا الأصل التربويّ يجرّنا إلى القول بأنّ التربية الكاملة المتوخّاة من بعثة الأنبياء لا تحصل إلّا بمطابقة أعمالهم لأقوالهم ، وهذا كما يوجب العصمة بعد البعثة ، يقتضيها قبلها أيضاً ، لأنّ لسوابق الأشخاص وصحائف أعمالهم الماضية تأثيراً في قبول الناس كلامهم وإرشاداتهم.(٢)
__________________
(١) تنزيه الأنبياء : ٥ بتصرّف قليل.
(٢) وقد أقام المتكلّمون على عصمة الأنبياء دلائل كثيرة ، فذكر المحقق الطوسي ثلاثة ، وأضاف إليها القوشجي دليلين آخرين ، وذكر الإيجي تسعة أدلة ، غير أنّ بعضها ليس دليلاً عاماً ، بل يختص بعصمتهم بعد البعثة ، راجع في ذلك : كشف المراد : ٢٧٤ ؛ شرح التجريد : ٣٥٨ ؛ المواقف : ٢ / ٣٥٩ ـ ٣٦٠.