وقال بعضهم لبعض : «لا تعودوا ، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئاً ، ثمّ انصرفوا». (١) ولكن عادوا في ليلتين آخرتين بمثل ذلك.
وما هذا إلّا لأنّ القرآن كان كلاماً خلّاباً لعذوبة ألفاظه وبلاغة معانيه ، رائعاً في نظمه وأُسلوبه ، ولم يكن له نظير في أوساطهم.
د) الطفيل بن عمر الدوسي : من الحبائل الّتي سلكها أعداء النبيّ صلىاللهعليهوآله لصدّ تأثير القرآن ، منع شخصيّات المشركين من لقاء الرسول صلىاللهعليهوآله ومن تلك الشخصيّات الطفيل ، وكان رجلاً شريفاً شاعراً لبيباً ، فقد قدم مكّة ورسول الله بها فمشى إليه رجال من قريش وخوَّفوه من سماع كلام النبيّ صلىاللهعليهوآله وبالغوا في ذلك ، يقول الطفيل :
فو الله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئاً ولا أُكلّمه ، حتى حشوت في أُذني حين غدوت إلى المسجد كرسفاً ... فغدوت إلى المسجد ، فإذا رسول الله قائم يصلّي عند الكعبة ، فقمت منه قريباً فأبى الله إلّا أن يسمعني بعض قوله فسمعت كلاماً حسناً ، فقلت في نفسي وا ثكل أُمّي ، والله إنّي لرجل لبيب ، شاعر ، ما يخفى عليّ الحسن من القبيح ، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ، فإن كان الّذي يأتي به حسناً قبلته وإن كان قبيحاً تركته ، فمكثت حتى انصرف رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى بيته ، فاتبعته ، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت : «يا محمّد إنّ
__________________
(١) السيرة النبوية : ١ / ٣١٥.