الفصاحة والبلاغة وروعة النظم وبداعة الأُسلوب خارجاً عن طوق القدرة البشرية ، وإنّما العجز والهزيمة في حلبة المبارزة لأمر آخر وهو حيلولته سبحانه بينهم وبين الإتيان بمثله ، فالله سبحانه لأجل إثبات التحدّي ، حال بين فصحاء العرب وبلغائهم وبين الإتيان بمثله.
وقد أورد عليها وجوه من النقاش والإشكال نكتفي بذكر ثلاثة منها :
الأوّل : إنّ المتبادر من آيات التحدّي أنّ القرآن في ذاته متعال ، حائز أرقى الميزات وكمال المعجزات حتى يصحّ أن يقال في حقّه بأنّه :
(لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (١). (٢)
الثاني : لو كان عجز العرب عن المقابلة لطارئ مباغت أبطل قواهم البيانية ، لأُثر عنهم أنّهم حاولوا المعارضة ففوجئوا بما ليس في حسبانهم ، ولكان ذلك مثار عجب لهم ، ولأعلنوا ذلك في الناس ، ليلتمسوا العذر لأنفسهم وليقلّلوا من شأن القرآن في ذاته. (٣)
الثالث : لو كان الوجه في إعجاز القرآن هو الصرفة كما زعموا ، لما كانوا مستعظمين لفصاحة القرآن ، ولما ظهر منهم التعجب لبلاغته وحسن فصاحته كما أثر عن الوليد بن المغيرة ، فإنّ المعلوم من حال كلّ بليغ فصيح
__________________
(١) الإسراء : ٨٨.
(٢) انظر : بيان إعجاز القرآن : ٢١.
(٣) لاحظ : مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني : ٢ / ٣١٤.